سنبقى اوفياء

سنبقى أوفياء 

بقلم أبو عدنان

(الحلقة الاولى)

تمر في الثالث من تموز الذكرى الرابعة لاستشهاد “حكيم” و “صخر” . وفي أحيائها،تخليد لكل الشهداء وتمجيد للشهادة ليس لأنهما قدما حياتهما في سبيل أقدس قضية قومية. فحسب، بل لأنهما أقدما على الشهادة في وقت تخلت فيه “قيادة ” الثورة عن القضية وانحرفت عن سبيلها وتحولت الى شحاد يستجدي العطف من الرجعيين و الامبرياليين والصهاينة لكي يقبلوها ملحقاً بموكبهم الذاهب الى المؤتمر الدولي … الى ” كامب ديفيد ” …إلى الخيانة الوطنية القومية !..

أن يقدم مناضل عربي على الاستشهاد في سبيل قضية تخلت عنها ” قيادتها” لكي يدعم ” انتفاضة فتح” ضد الانحراف والاستسلام ،إنما يصوغ باقدامه برهاناً غير قابل للتنفيذ، على رسوخ إيمانه ، وثباته جنانه ، وشموخ عزيمته، وصلاحية تصميمه على التضحية بحياته من أجل انتشال القضية من حضيض الانحراف والاستسلام !..

لقد كتبنا وطالعنا الكثير عن الشهداء والشهادة ، بيد أن ذكرى استشهاد “حكيم” و”صخر” موضوع متجدد بمحتوياته ومضامينه . ذلك ان الاستشهاد في سبيل دعم الكفاح القومين، لا يجسد مثالاً ملموساً على نوعية الفداء الاكثر جدوى ، ولا يرسم طريقاً لربط النضال الوطني القطري بالنضال العربي القومي ، فحسب . وإنما يكشف عن إيمان بمنهج العنف الثوري رداً على العنف الرجعي، لذلك كان استشهادهما (حكيم وصخر) . ترجمة عملية لنظرية الثورة المستمرة حتى النصر!..

إنّ ” حكيم وصخر”، قد توجا مقاومتهما للاحتلال الصهيوني، بمقاومتهما للانحراف عن نهج الثورة المستمرة حتى تحرير فلسطين ولكنهما لم يبلغا مستوى هذا الوعي والاستعداد للتضحية ، إلا لأنهما قد تربيا بمدرسة العنف الثورية … مدرسة حزب العمل الاشتراكي العربي … حزب الالتزام الراسخ بمبادئ النظرية الماركسية- اللينينية والوفاء للشهداء الذين عبدوا طريق المدرسة الشيوعية من طراز جديد !.

لقد كان ” حكيم وصخر” مقاتلين بارزين من مقاتلي جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ضد الاحتلال الصهيوني . وكانا مرابطين بقواعدهما في منطقة البقاع الغربي عامة ومنطقة الباروك- عميِّق على وجه الخصوص . وبدلاً من ان يستشهدا في المواجهات مع الصهاينة. سقطا برصاص الانحراف والاستسلام والخيانة . التي تنتسب لفلسطين ولشعبها المناضل الأبي. زوراُ وبهتاناً فأية جريمة هذه التي تقترف بحق مقاومة الصهيونية . واية شهادة ضد المنحرفين الذين ينتقمون للصهيونية بدلاً من أن يكافئوا المقاومين ضدها .

إنني ادعوا كل مناضل ثوري ، لأن يتأمل دلالة واقعة الإستشهاد هذه، ويهتدي بها ، في هذه الظروف على وجه الخصوص. أما إذا تساءلت أيها المناضل الثوري ، عن مبرر هذه الدعوى، فسيكون جوابي دعوة أخرى لتشترك معي بقراءة صفحتين : صفحة ظرف حدوث الواقعة . وصفحة ظرفنا الراهن ، وبعد القراءة اترك لك ان تحكم بوجاهة او عدم وجاهة دعوتي لتأمل دلالة الاستشهاد والاهتداء بها . 

قبل عرض صفحة ظرف واقعة الاستشهاد نطالع الفقرات التالية : 

” تحت ضغط وطاة الشعور بالحاجة للتخفيف من المصروفات وللتوفيق بين العمل العلني والسري ، عمدنا إلى غلق نصف مكاتبنا وخفضنا المصروفات سعياً لإنهاء العلاقة النفعية التي حذرتمونا من طغيانها على حريتنا . لدرجة قد تمنعنا من اصدار كتابنا :” دروس الحرب الخامسة وقضية تحرير فلسطين “. وقد انقطعت فعلاً منذ أيار الماضي. ومع ان انقطاعها قد ارهقنا بوطأة الفاقة والعوز الذين سببهما لنا لكننا نفضل العيش في ظل الجوع والفاقة وتقليص دورنا الكفاحي ، على بيع عقولنا من أجل تخمة معدناً !..

لا ريب في معدنا ليست كلها مستعدة لتحمل وطأة الجوع. فبين صفوفنا رفاق لا يترددون عن ابداء الاحتياج الشديد، تحت ضغط شريكات واولاد لا يفهمون من الحياة غير الانسياق وراء عفوية الشعور بالحاجة الى اشباع نهم معدهم” وبعض” الحاجيات الاخرى . ورغم ذلك ، فإننا لا نتردد عن الاختيار. الذي نتمكن معه من اصدار كتابنا وطرح وجهة نظرنا لتكونا نبراساً يضيء الطريق امام كفاحنا!..

إنني اتحدث بإسم الجماعة ، حديثاً ينبغي ان تدركوا منه أن الفضل في ذلك كله يعود للرفاق في منظمات الحزب ودرجة التفاني العالمية التي يتحلون بها والتي يؤكدها النجاح بإنجاز مهامنا الحزبية اقول هذا الكلام ، كي اجلب انتباهكم الى حجم الوقت والجهد اللذين ننفقهما في سبيل رفع شأن الحزب وتأكيد دوره النضالي “. 

” ولكن ، ليست قضايا التعبئة الحزبية والجماهيرية ، واعداد منظماتنا لتقوم بواجباتها ، ونسج علاقات جديدية منسجمة مع قناعاتنا ومتطلبات تحديد موقفنا وإبراز دورنا ، والتحرير من علاقات نفعية مرهقة ومزعجة لمشاعرنا وجارحة لكرامتنا النضالية … ليست هذه القضية وحدها هي الشاغل الذي استهلك وما يزال يستهلك وقتنا . وإنما هناك مهمة يلح بالطلب على انجازها . ومن منا لا يلح على ضرورة كشف المجرمين الذين هدروا دماء شهدائنا الخمسة وانزال اقصى العقوبات بهم ؟ 

فعلاً انها مهمة صعبة وأن انجازها تطلب ويتطلب جهداً ووقتاً كبيرين . ولكن النجاح بكشفها ليس إلا خطوة اولى. قد لا تحتاج الى جهد وزمن اكثر من خطوة او مرحلة التنفيذ وانزال العقاب بالمجرمين ومعرفة الجهات التي تحركهم والأهداف التي يتوخونها من وراء اقتراف الجريمة والثمن الذي قبضوه والشركاء الذين عاونوهم .

هكذا هي مهامنا الحزبية مرهقة وقاسية لدرجة تدفع الانسان لأن يحلم بالعودة الى بيروت والتمتع ببعض الراحة رغم وطأة الشعور بالإرهاب الذي يخيم على اذهان مناضليها !…

أيها الرفاق ، 

لا شك في أنكم اصبحتم اكثر ادراكاً لوجاهة الحائل الذي يحول دون التزام المراسلة المنظمة معكم . وبعد ان بلغنا هذه النتيجة الهامة ، دعونا نخوض ببقية موضوعات هذه الرسالة ، خوضاً يدفعني للسؤال عما إذا كانت ذاكرتكم ما تزال تحتفظ بما ورد برسالتي السابقة حول دورة المجلس الوطني الفلسطيني السادسة عشر . وهل ما يزال الشعور بالتطرف والتجني الذين لخصتهما عبارتي ” و ستتأكدون من هذا النشاط-  نشاط اليمين واليسار- الهادف تزيين السير نحو الخيانة !”؟

وهل كنت على حق حين وضعت ما يسمى باليسار بسلة اليمين الفلسطيني ؟”

” ان تأكيد امكانية المواجهة مع الصهيونية والصمود بوجههم يكتسب اهمية بالغة للاقناع بضرورة استمرار الثورة المسلحة. لأن امكانية المواجهة والصمود تنطوي على امكانية الحاق الهزيمة بالعدو ودحره وهنا يتحتم عليكم ان تستعيدوا للذاكرة مقولة جياب رمز الثورة الفيتنامية ” إذا عرفتم لماذا  لم يتمكن الاميرياليون الاميركيون من القضاء علينا فسيدركون اننا سننتصر “!…

” إن اثبات القدرة على المواجهة والصمود بوجه العدو، يثبت امكانية دحره . لأن الصمود ينهك العدو ويدخل اليأس الى اذهان افراد قواته، ادخالاً يضمر معه العامل المعنوي ويتضاءل لدرجة يمكن استغلالها لشن هجوم معاكس عليه ، واظن ان القاعدة التي تقوم عليها حرب الشعب هي الاستمرار وعدم الاستسلام  والاستمرار يقوم على عوامل الصمود- الدفاع اساساً مهما كان نصيب عوامل الهجوم فيه . لأنه ( الاستمرار ) صمود هادف إنضاج الظرف لحسم الموقف وتحقيق الانتصار النهائي للثورة !…”

” ان يعجز أبو عمار عن قمع الإنتفاضة ، وأن يتخبط جورج حبش مؤسس حركة القوميين العرب و صايغ شعار الوحدة والتحرر والثأر والحديد والنار في مواجهة الحدث ، بدلاً من أن يكون قائده ومرشده… أن يحدث ذلك كله ، فلا بدّ من أن يكون لظاهرة الانتفاضة مقومات الحدث التاريخي “.

” إنّ قيمة الحدث الذي فجرته قاعدة ” فتح” تتجلى اكثر ما تتجلى في كون الحدث يعبر بوضوح عن اهم دروس الصمود ببيروت وظهور المقاومة الوطنية اللبنانية . فمن صمود بيروت يجب ان يستخلص الثوريون المؤمنون درساً لإمكانية مجابهة الصهيونية والصمود في وجهها . ومن ظاهرة المقاومة الوطنية اللبنانية، نستخلص درساً لامكانية استمرار الثورة المسلحة بدون مكاتب علنية أو قيادات بيروقراطية كما الحكومات العربية . وبدون مؤتمرات قمة رجعية . فإرادة الشعب هي القوة الكفيلة بالتفوق على الصهيونية  وهي طاقتنا التي نتغلب بفضلها على اعدائنا : الامبرياليين والصهاينة والرجعيين . ولنا من الجزائر و الفيتنام مثلاً، هادياً ومرشداً ليس لحجم التضحية التي يتطلبها تحقيق اهدافنا في التحرير والديمقراطية والاشتراكية والوحدة والتضامن البروليتاري الأممي ، فحسب . وإنما – وهذا هو الأهم- الامكانية دحر الامبريالية والصهيونية والانتصار عليهما !..”

” إنّ الشهور الاربعة المنصرمة على وصول رسالتي السابقة اليكم ، لم تشهد هذه التطورات الهامة ،فحسب،وإنما شهدت تطوراً هاماً آخر يدعونا الى مراجعة نظرتنا السابقة ، التي كانت تميز بين مواجهة الصهيونية ومواجهة السلطة اللبنانية ، كنا نرى ان الصهيونية هي الاضعف وان الدولة هي الأقوى ، ولذلك قلنا أن السلاح في مواجهة الصهيونية وان التراجع المنظم امام الدولة اللبنانية ولكن تطورات الشهور الاربعة الماضية قد كشفت أن الدولة تعاني من ضعف شديد . وقد تبين ذلك بعد عقد الاتفاق وممارستها في بيروت وموقفها من الحرب الأهلية في الجبل !..

إن قرارات زغرتا والموقف السوري والتطورات التي تعيشها المقاومة ، وردود فعل الجماهير الشعبية على تصرفات الدولة في بيروت وفي الجبل . إن هذه كلها قد غيرت مزاج الجماهير ضد الدولة رغم ان السلبية ماتزال تطبع نظرتها (الجماهير) الى المقاومة الفلسطينية في منطقة البقاع الخاص !..

لذلك ، فإنّ تغيير تكتيكنا تجاه السلطة . واستبداله بالمواجهة المسلحة اصبح احتمالاً وارداً ولا بد ان تأخذوه بنظر الاعتبار .. اقول احتمالاً لأن الأمر لا يتوقف علينا، فقط . وإنما نحن مرتبطون ببقية القوى ولكننا نتميز عن قوى الحركة الوطنية . في أننا حزب مطلوب وان مهمتنا تحتم علينا الحذر الدائم والاستعداد لمواجهة احتمالات المجابهة مع العدو الطبقي . ومن ينظر للمسألة نظرة مختلفة لا بد انه يعاني من عدم فهم لمهمة حزب العمل الاشتراكي العربي التاريخية . إنني احذركم من مغبة النظر للأوضاع اللبنانية والعربية من منظار وضعكم الراهن . وعليكم ان تعيدوا قراءة تقريرنا السياسي و تطالعو الفقرة الرابعة ص 148 حتى آخر الصفحة لتتذكروا مهمتنا التاريخية !..

إنّ التزامنا بالمنهج الثوري ، يعني أننا بصراع دائم لا هوادة فيه مع السلطة الرجعية لأن نهجنا تصادم معها . ومن يعتقد منا ولو للحظة واحدة ان السلطة غافلة عنا لا بد ان يكون مغفلاً او انتهازياً مستعداً للتخلي عن التزامه وبيع القضية للسلطة يوم مواجهتها . لذا فإنّ تغييراً قد يطرأ في المستقبل على تكتيك التراجع الذي ما نزال نلتزمه في مواجهة السلطة . واستبداله بتكتيك الرد على العنف الرجعي بعنف ثوري مسلح !..

أيها الرفاق ،

إنّ نشاطكم الفدائي وقتالكم ضد العدو الصهيوني قد اثلج صدورنا وجعلنا نطمئن الى ان الايمان راسخ والعزيمة قوية والارادة فاعلة نعم اقول : جعلنا نطمئن لأن الادعاءات وحدها ليست دليلاً كافياً بل على العكس تماماً . انها تدفع الانسان للشك بجدوى ما يقال ويحكى وليست هذه الشكوك او عدم ثقة بهذا الرفيق او ذاك ، بهذه المنظمة او تلك ، وإنما هي المادية الديالكتيكية التي علمتنا ان الممارسة هي المظهر الرئيس في وحدتها الجدلية مع النظرية !..”

أيها الرفاق المناضلون ،

بعد أن تنتهوا من قراءة هذه الرسالة يتحتم عليكم ان تقفوا دقيقة صمت تخليداً لرفيقيكم الشهيدين البطلين عبد الحكيم مصطفى وحسين يزبك ، وان تتمنوا الشفاء لرفاقكم الجرحى . انها طريق حزب العمل الاشتراكي العربي. المتصادمة مع اعداء شعبنا القوميين والطبقيين ومع المستسلمين السائرين بطريق الخيانة القومية فشهداؤنا هم السابقون ونحن اللاحقون على طريق الفداء… طريق التحرير والديمقراطية والاشتراكية والوحدة والتضامن البروليتاري الأممي !..”

” رفيقكم” البقاع في 4\7\1983 .

إنّ هذه الفقرات تضمنتها رسالة مطولة ارسلتها الى الرفاق في بيروت ، ثاني يوم استشهاد الرفيقين ” حكيم وصخر” ومنها نتبين ثبات الموقف الحزب ووضوح رؤيته. وانحيازه التام لقضايا الشعب ونهج الثورة المستمرة ويجلب انتباهنا تعبير الرسالة : ” وخفضنا المصروفات سعياً لانهاء العلاقة النفعية التي حذرتمونا من طغيانها ..” الذي يتكرر في صفحاتها : فما هي قصة تلك العلاقة التي تصفها الرسالة بالنفعية والتي حذر الرفاق في بيروت من مغبة استمرارها . وما هي علاقتها بدلالة واقعة الاستشهاد التي نستعيد ذكراها؟ 

إنّ هذه الرسالة تشير لرسالة سبقتها باربعة شهور ، الى بيروت، وان موضوع العلاقة الموصوفة بالنفعية . معروض فيها ، لذلك جاء التحذير من مغبة استمرارها . فنحن ، إذن . كنا نبحث بضرورة التحرر منها ، منذ آذار 1983 . أما قصتها فترجع الى عام 1982 . وعلى وجه التحديد لشهر الاجتياح الصهيوني ، أي لحزيران. يومها كنا محاصرين في بيروت . وقد استلمنا رسالة من رفاقنا في منطقتي الشمال يطلبون تحويل خمسين الف ليرة لبنانية لسد العجز في موازنتهم فحولنا المبلغ مرفقاً برسالة تحذير من تكرار الطلب.إذ لم يعد بوسعنا تلبيته . فراح الرفاق يبحثون عن دعم مالي لسد حاجاتهم. فوجدوا جماعة عرفات مصدراً للتمويل . وبعد مغادرتي لبيروت ووصولي الى الشمال والبقاع في الثالث من آذار 1983 رحنا نبحث بضرورة التحرر من العلاقة العرفاتيين الذين وقعوا على الخروج من بيروت ولبنان. توقيعاً لم يكن سوى استسلام للصهاينة بوساطة فيليب حبيب . لذلك اعتبرنا العلاقة معهم نفعية ولا يصح لحزب العمل الاشتراكي العربي. أن يتورط بها . وبناء عليه فقد اطلعنا الرفاق في بيروت على ملابسات موضوع العلاقة وظروفه. ومبرراته التي جعلت الرفاق في منظمتي الشمال والبقاع يقبلونها ، والتي يتقدمها عدم افتضاح امر العرفاتيين تماماً . إذ كانت لهم قواعد في البقاع ويدعون ان خروجهم من بيروت كان تكتيكاً وليس استسلاماً !..

بعد مرور شهرين على رسالتي الأولى، حدثت في التاسع من ايار 1983، ” انتفاضة قاعدة فتح” . فبادرنا لتأييدها واندفعنا في دعمها، إندفاعاً رد عليه العرفاتيون بإطلاق نار على رفاقنا ، فاستشهد الرفيقان ” حكيم وصخر ” وجرح خمسة رفاق آخرين منهم الرفيقين أبو نضال والسرغني الذي بترت ساقه وتعطل مفصل ورك ساقه الثانية . فقطع العرفتيون العلاقة ، وراحوا يتواعدوننا . 

هذه هي قصة العلاقة النفعية ، اما علاقتها بدلالة واقعة الاستشهاد ، فنلحظها بعزوفنا عن المال ، رغم حاجتنا الماسة اليه ، ورغم افتقارنا لأية صلة او علاقة تمنحنا مساعدة دون اخضاعنا لقاعدة من ” يدفع يسير ” فحتى الجبهة الشعبية التي منحتنا في نيسان خمسة وعشرين الف ليرة ، والتي ابلغتنا بأن تكون مساعدة شهرية دائمة ، قد بادرت الى قطعها اعتراضاً على موقفنا وتضامناً مع العرفاتيين !..

وإذن ، تتضح لك ايها المناضل الثوري ، دلالة واقعة الاستشهاد ، فنحن بإستشهاد ، “حكيم وصخر” لم نفقد مقاتلين مشهود لدورهما في اطار المقاومة الوطنية اللبنانية ، فحسب بل انهما ( الواقعة ). قد افقدتنا مورداً مالياً مهماً . صحيح أننا كنا نشعر بعبء وطأته ، وكنا نخشى من ان يؤدي استمراره لعلاقة سياسية بغيضة، تتناقض مع قناعاتنا ونهج التزامنا الثوري الذي على اساسه يقدم اعضاء الحزب وجماهيره التضحيات بدون مقابل ، سوى ترجمة قناعاتها وتأكيد التزامهم … صحيح اننا نخشى تحول تلك العلاقة المالية الى علاقة سياسية، خشية جعلتنا نصفها بالنفعية ونفكر جدياً بقطعها والتحرر منها ، يبد ان انقطاع ذلك المورد ، قد عرضنا لأزمة مالية ، في ظروف كانت تفرض عليه ان تستمر بمشاركة قوى الموقف الوطني العربي في القتال , وان نتحمل تبعات تلك المشاركة رغم ادراكنا ان النتائج سوف تجير لصالح ممثلي الطوائف وقواها السياسية ، التي استهلكت كل ايجابيات الانتصار الذي حققناه ، والتي قادت الوضع لحالة الضياع والتخبط الراهنة!…

هذه هي الدلالة الهامة ، التي يليق بكل مناضل ثوري، قولاً وفعلاً، ان يتأملها ويهتدي بها ويستخدمها لدى مراقبته للقيادات الوطنية عامة . والشرعية على وجه الخصوص ، ومحاكمته لمتاجرتها بدماء الشهداء ، بذريعة تغطية مصروفات مشاركتها بالكفاح الوطني، فنحن لم نفعل ما يفعله الاخرون: يبعون الموقف الوطني الى العرب، ويبيعون الموقف القومي الى الرجعية في لبنان . لقد انقطع المال ، بل قطعناه باندفاعنا لتأييد الانتفاضة ودعمها . ولكن كفاحنا استمر دون توقف ، وقد اصدرنا تعميماً ابان معركة الجبل الى كافة منظمات الحزب، يلزمها بالمشاركة بالمعركة وينذرها بالفصل من حزب العمل الاشتراكي العربي ، في حال تقاعسها ولكي نغطي حركتنا الكفاحية ، فقد كنا نبيع الكتاب والمجلة ونجمع التبرعات ونقاتل. اليست هذه دلالة جديرة بالتأمل والاستيعاب، أيها المناضلون الثوريون ؟

وإن لم يكن في تصرفنا وممارستنا , آنذاك، مثل هذه الدلالة، فهل هناك ، اسلوب آخر لسد الحاجات المالية ، دون الخضوع لقاعدة ” من يدفع يسير” التي تعني ابدال الثورية بالإصلاحية، والالتزام العقائدي بالمتاجرة النفعية ، مقابل احلال البذخ والتخمة والابتذال محل المعاناة والجوع والكرامة ؟

قد يرد الى الذهن شعور، بأن وضع الجميع بسلة القاعدة :” من يدفع يسير ” ، سيئة الصيت والمحتوى، ينطوي على شيء من الخلط والتعسف ، بحق الذين يدفعون، في سبيل دعم الموقف القومي الوطني واستنهاضه . ومع ان هذا النمط قليل ، فإننا نؤكد على ضرورة التمييز . غير ان الحديث لا يدور حول المواقف التي تشكل حالات استثنائية تستحق كل التقدير واحترام. بل اننا نتحدث عن الحالات المشابهة للعلاقة مع العرفاتية والقوى التي تدور في فلكها. والتي تضع المدعوم امام واحد من خيارين: أما استمرار الدعم. وأما التجويع . وقد بات تكتيك الدعم بهدف الاحتواء، ومعروفاً. إذ يبدأ الدعم غير المشروط. وخلال مجرى التطورات يجد المدعوم نفسه امام مواقف وممارسات سياسية يحددها ويقوم بها الداعم بمعزل عن رأي من يدعمهم . ومع ان هذا الامر طبيعي، بالنسبة للداعم من حيث انه يمارس في التعبير عن قناعاته.بيد ان ممارسة الداعم هذه . تشكل احراجاً شديداً للمدعوم . ذلك ان تأييد سياسة ومواقف الداعم . يتناقض مع التزامه المبدئي ونهجه الثوري. أما المعارضة . فإنها تؤدي حتماً الى قطع الدعم المالي وبالتالي الحرمان والتجويع . لذا يبدو الموقف الذي اتخذناه ذو دلالة نضالية جديرة بالتأمل والإستيعاب!…

ولكن لا بد من الأمانة في عرض الوقائع المصيرية. وبهذا الصدد فإننا نسجل ضغطاً سياسياً، لم يمارس علينا من قبل الجهات العرفاتية أو المحسوبة على العرفاتية التي كانت تقدم الدعم إطلاقاً ، قبل انحيازنا المكشوف والعلني الى جانب، ” انتفاضة فتح” ومشاركتنا لها في المجابهة للمواقع العرفاتية .

لقد وصفوا إندفاعنا لتأييد الانتفاضة. بالعاطفية، وهو وصف صحيح ، إذا ما نظرنا اليه ، من منظار المنفعة المالية. غير أن العودة لتلك المرحلة، تذكرنا بكون الظروف كان ظرف صراع مصيري تحتشد كل قوى الموقف العربي الوطني في إطاره، وهذا الأمر واضح من نصوص الرسالة الآنفة، أولاً ، ثمَ جاء حدوث الانتفاضة ليزيد من دقة الموقف ويحدد لحظة الخيار . الذي كان سؤالاً صريحاً وواضحاً، موجهاً من قبل حركة تطورات الواقع الينا، وهذا السؤال هو ” السلامة لمن : للقضية ، أم للمناضلين من اجلها ؟” ولم يكن أمامنا غير التضحية في سبيل القضية ، ثانياً .

إن حزب العمل الاشتراكي العربي، ليس هو من خطط للانتفاضة وليس هو من فجرها، ولكنه رأى فيها تعبيراً عن قناعته وترجمة لنهجه . ذلك أن الحزب الذي يخطط لمقاومة وطنية من أجل ان يجلب انتباه الإنسان العربي لامكانية استمرار الكفاح المسلح، وأن يكشف زيف ادعاءات المستسلمين .. إن حزباً هذا منهجه لا بد ان يجد في الانتفاضة ما يدعوه لدعمها وشد ازرها. وأي موقف آخر، لن يكون سوى انحراف عن النهج الثوري ، ونفعية تفضل مصلحة المناضلين على مصلحة القضية التي كانت تفرض علينا الانحياز الى جانبها بغض النظر ، عن أية اعتبارات اخرى، تعد ثانوية بالقياس لمصلحة استمرار نهج الحزب على ذات الطريق التي عبدتها دماء شهدائه وتضحيات مناضليه !..

كان الظرف، ظرف قتال ومواجهة مع اعداء الشعب . وكانت السيارة والمكتب والرمز والتصريح والبيان، متطلبات يستدعيها حمل السلاح والممارسة الثورية. ورغم ذلك قطعنا العلاقة وحرمنا انفسنا من مورد مالي مهم مع اننا كنا بحاجة للمال لتغطية مشاركتنا في المقاومة الوطنية ضد الاحتلال الصهيوني . ومشاركتنا في معركة الجبل وبيروت لمقاتلة الفاشية “ودولتها “!

وإذن يتضح ان قطع العلاقة المالية النفعية، لم يقطع صلة الحزب بذلك الظرف ولم يمنعه من متابعة دوره النضالي ومشاركته، التي اشارت الرسالة الى ضرورتها ، في المعارك العسكرية ضد الفاشية . علاوة  على المشاركة في المقاومة الوطنية ! ولكن ، هل تجد أيها المناضل الثوري حزباً ، كحزب العمل الاشتراكي العربي. يضحي بالمال في سبيل التزامه المبدئي وأمانته الثورية ؟

إن المتاجرة بدماء الشهداء ، قباحة لا يمكن ان يسمح الثوريون بتعاطيها، لأن دم الشهيد عهد يلتزمون به ليس وفاء للشهيد نفسه ، فقط، وإنما تجسيداً للمبادئ ومتابعة السير على طريها أساساً .

هكذا كانت صفحتنا بالأمس: رفضاً للمساومة ومقاتلة دعاتها، وما تزال صفحتنا هي هي ، من حيث رسوخ الايمان وصلابة الإلتزام . فكما رسمها ” حكيم وصخر” ورفاقهما الشهداء. وكما ترسمها انت أيها المناضل الثوري ” صفحة النهج الثوري الواضح، والمعتقد الراسخ ، والوفاء الدائم والكفاح المستمر حتى تتحقق اهداف شعبنا في التحرير والديمقراطية والإشتراكية والوحدة والتضامن البروليتاري الأممي. فهل بوسعك ان تجد صفحة تضاهيها بين صحائف سجل الاحزاب التي تدعي الشيوعية ؟

إن استطعت أيها المناضل الثوري ان تجد صفحة مماثلة ، فلك ان تستهجن دعوتي لتأملها والاهتداء بها . وإن عجزت عن العثور عليها ، فلنا عليك ان تضعي لردنا على ما يقوله الإصلاحيون عن حزب العمل الاشتراكي العربي ؟!..

لقد رفضنا القتال دفاعاً عن الحبيقيين، مثلما رفضنا القتال انجراراً وراء العرفاتيين . ونرفض القتال اليوم ، طالما أنه تخبط في متاهات الضياع وجرياً وراء المجهول !..

أظنك أيها المناضل الثوري، تتساءل: إذا كان حزب العمل الإشتراكي العربي، يرفض القتال، فلماذا يغلق مكاتبه، وينهي تفرغ كوادره ولا يكترث للمشاركة بممارسات قوى واحزاب تيار الحركة الوطنية ، وما هي المهمة النضالية التي يطرحها على جدول اهتمام اعضائه؟

منذ سنة ونصف السنة، وحزب العمل الاشتراكي العربي ، ينتهج سياسة نعرفها للميتفهمين، بأنها انكفاء ذاتي، عن الانشغال بهموم قوى وأحزاب تيار الحركة الوطنية. ولكن هذه السياسة التي اختطها الحزب، لم تكن الا ترجمة لتحليل واقع الحركة الوطنية الراهن، وتعبيراً عن رؤية استبقية لافاق تطورات الوضع اللبناني. فما هو هذا التحليل وما هي هذه الرؤية المستقبلية ؟

أولاً : لست أرى مجادلاً يدافع عن الحركة الوطنية وعن دورها الكفاحي ، خلال المرحلة الراهنة بين اوساط الجماهير الشعبية . إن واقع الحركة الوطنية هذا يحز في النفس ويثير القلق لدى كل الحريصين على ان تلعب هذه الحركة دوراً نضالياً يجعل منها بنظر أبناء الشعب،طليعة واعية ومنظمة وقائدة لكفاحهم ضد اعدائهم القوميين والطبقيين . ولكن شعورنا بالمرارة والقلق شيء، وضرورة ادراك اسباب واقع العجز الذي تعيشه الحركة الوطنية شيء آخر. إن قيمة واهمية مثل هذا الشعور، يتجليان بنوعية ما ينجم عنه من وعي لضرورة المعالجة ، غير أن وعي هذه الضرورة وحده ليس كافياً لجعل الواعين قادرين على المعالجة وانتشال المأزوم من مأزق أزمته، مالم يكن المأزوم نفسه مستعداً لقبول العلاج والاستفادة  منه !

ثانياً : إن حزب العمل الإشتراكي العربي، لم يشغل موقعاً قيادياً مسؤولاً بتركيبة الحركة الوطنية ، ومع ذلك كله كان سعيه حثيثاً ، من أجل تطوير وضع الحركة الوطنية وتمكينها من الارتقاء لمستوى المهام التاريخية الملقاة على عاتقها، ولكي لا يبدو هذا الكلام ادعاء لفظي دعونا نعود قليلاً الى التاريخ، لنستدعي وقائعه التاي هي اشياء عنيدة ، بحكم واقعيتها واستحالة تفنيدها وقلبها الى عكسها. فماذا تقول الوقائع بصدد دور حزب العمل الاشتراكي العربي ، ومبادرته الحثيثة من اجل تطوير العمل الوطني واخراجه من مأزقه؟:

إن حزب العمل الاشتراكي العربي ، كما تؤكد كافة الأدبيات الصادرة عنه ، يمثل امتداداً متطوراً لحركة القوميين العرب. وقد ظهر الى الوجد في أوائل عام 1970 ، وعلى وجه التحديد في الأول من آذار 1970، وبعد مضي سنتين ونصف السنة ، عقد مؤتمره التأسيسي الأول في أوائل آب 1972 ،(12-14\آب) وكان طبيعياً أن يهتم بمراجعة رؤيته ونقدها وتصويبها ، وأن يحدد نظرته ومنطلقه النضالي . وحول هذا الموضوع نطالع في التقرير الصادر عن المؤتمر مايلي: 

” طبيعة الثورة اللبنانية وأسلوب تحقيقها ” 

” يتضح مما تقدم بأن تحديد طبيعة المجتمع اللبناني، لكي يكون تحديداً دقيقاً، لا بد من تسجيل موضوعين هامين :

أولاهما متعلق بوجود العلاقات الاقطاعية التي ما تزال قائمة في بعض مناطق الريف اللبناني رغم وجود العلاقات الرأسمالية، وهذا يعني أن المجتمع اللبناني مايزال جزء منه يعيش في ظل السيطرة الاقطاعية وإن بشكل جزئي .

وإذن ، فإنّ تحديد طبيعته بأنه مجتمع رأسمالي ، يرجع اساساً الى كون العلاقات الرأسمالية ، لها الهيمنة شبه التامة على المدينة والريف . يبد أن تسجيل هذه الحقيقة ، يطرح على بساط البحث الاجابة على الاسئلة التالية المتعلقة بالموضوعة الثانية ؟

إذا كان المجتمع اللبناني، مجتمعاً رأسمالياً ، فما هي طبيعة الثورة التي تناضل في سبيل احداثها ؟ هل هي ثورة اشتراكية أم وطنية ديمقراطية ؟ وما هي طبيعة المجتمع الذي سنقيمه على انقاض المجتمع الرأسمالي القائم حالياً؟ هل هو مجتمع اشتراكي ام مجتمع ديمقراطي ؟

إنّ الاجابة على هذه الاسئلة من شأنها ان تحدد الاسلوب الرئيسي الذي يتسم به نضال جماهيرنا وصولاً لهدفه الرئيسي الذي هو اسقاط السلطة الرجعية القائمة وإقامة سلطة  العمال والفلاحين على انقاضها .

إن تحديد سمة المجتمع اللبناني الرئيسية وطابعه العام لا يكفي لتحديد طبيعة الثورة القادمة ، ما لم نعرف ماهية المهمات التي على ثورتنا ان تتصدى لتحقيقها .

إنّ تأكيدنا على ان المجتمع القائم حالياً هو مجتمع رأسمالي، قد يوحي لأول وهلة بان الثورة القادمة هي ثورة اشتراكية ، هدفها اقامة مجتمع اشتراكي على تنقاض المجتمع الرأسمالي !

إنّ الوصول الى هذه النتيجة من شأنه ان يقودنا الى ان نستعير الأساليب النضالية البرلمانية التي تتبعها الاحزاب الشيوعية في المجتمعات الرأسمالية  كفرنسا مثلاً . وهذا هو المنزلق الخطير الذي قد نقع فيه وقوعاً سنجد انفسنا معه ، بعد فترة قد تطول وقد تقصر . عاجزين عن الوصول الى هدفنا ، بسبب سقوطنا في طريق مسدود ولا نستطيع معه استغلال الفرصة المتاحة للتغيير الذي نناضل في سبيل احداثه؟

إن اعترافنا بطبيعة المجتمع اللبناني ، يفترض ان يقترن بوعينا لطبيعة الرأسمالية اللبنانية. التي تختلف عن رأسمالية البلدان الرأسمالية المتقدمة. 

انها رأسمالية وسيطة وكل ما يمكن ان تقدمه لشعبنا ومجتمعنا . هو أن تبقيه تابعاً لتقوم هي بمهمة السمسرة لخدمة الرأسمال الاجنبي ليوسع استثماراته في لبنان ودائرة تصريفه لبضاعته في لبنان والوطن العربي.

وامام هذا الوضع فإن المهمات المطروحة على الثورة اللبنانية هي تحرير الاقتصاد اللبناني من التبعية الرأسمال الاجنبي اي تحريره من التبعية للاستعمار ولبننة الرأسمال المستثمر اي تأميم الرأسمال الاجنبي وتشجيع الرأسمال الوطني والقضاء على بقايا العلاقات الاقطاعية وانشاء الجمعيات الزراعية التعاونية والمزارع الحكومية وبعبارة موجزة تحويل المجتمع من مجتمع خدمات وسمسرة الى مجتمع صناعي تتوفر بتحقيقه القاعدة المادية التكتيكية للشروع في الثورة الاشتراكية .

وإذن فإن الثورة التي يناضل شعبنا من اجل احداثها ، هي ثورة وطنية ديمقراطية : تحرر الاقتصاد اللبناني من التبعية الرأسمال الاجنبي. وتقضي على الرجعية العملية ، لتمهد طريق للثورة الاشتراكية . بينما الثورة التي تناضل الطبقة العامة في البلدان الرأسمالية المتقدمة في سبيل تحقيقها . هي ثورة اشتراكية . لأن الثورة الديمقراطية قد انجزتها البرجوازية . فثورتنا إذن . هي ثورة وطنية ديمقراطية رغم طبيعة المجتمع الرأسمالية السائدة .

إن لبنان بوصفه بلداً مرتبطاً بعلاقات التبعية للامبريالية. اقتصادياً وسياسياً وثقافياً. فإنّ تحرره من هذه التبعية يتطلب الاطاحة بنظام الكومبرادوريين و الاقطاعيين عملاء الاستعمار وتصفية العلاقات الرأسمالية وشبه الاقطاعية السائدة . وإقامة نظام ديمقراطي على انقاضها .

إن حزب العمل الاشتراكي العربي باعتباره احدى فصائل طليعة الطبقة العاملة اللبنانية الواعية المنظمة . التي تضم على اساس الاختيار الحر . العناصر الاكثر تقدمية وثورية من العمال والفلاحين والمثقفين الثوريين . الذين يبدون استعداداً للتضحية في سبيل تحقيق هدف تحرير الوطن من نير التبعية وسيطرة الطبقات الرجعية . إن حزبنا يؤمن بان تحقيق الثورة الوطنية الديمقراطية في لبنان وتحويلها الى ثورة اشتراكية يتطلب استلام الطبقة العاملة اللبنانية وحلفائها للسلطة.

ان تحقيق ما تقدم من اهداف. وعلى ضؤ فهم حزبنا لأساليب الامبريالية والرجعية وطبيعتها العدوانية ، وفي ضؤ الدروس المستمدة من تجارب الشعوب الثورية ، وتجارب شعبنا العربي في مواجهة الاستعمار وعملائه، فان حزبنا يؤمن بان العنف الثوري المستند الى اسلوب الكفاح المسلح باعتباره الاسلوب النضالي الرئيسي القادر على تحقيق الانتصار الثوري الحاسم، هو الاسلوب الاقدر على تحقيق الثورة اللبنانية. وبدونه فان كافة اساليب النضال الاخرى: المطلبية والسياسية ، السرية والعلنية ، تبقى أساليب هامشية عاجزة عن الصمود بوجه خصوم شعبنا الطبقي والقومي. فضلاً عن عجزها عن مجابهتهم وتحقيق الانتصار عليهم. 

واذا كانت الطوباوية ، تتمثل بالعجز عن ادراك الخطوات اللازمة لتحقيق الهدف النهائي ، فإننا نعتقد ، بأن التفكير بتحقيق هدف التغيير عن طريق البرلمان ، هو تفكير طوباوي !

إنّ كل اساليب الكفاح السلمية ، ابتداءً من جمع التواقيع على عرائض المحتجين على الاستغلال والغلاء والارهاب. وانتهاء بالمظاهرات والاضرابات الاقتصادية والسياسية ، وحتى النضال البرلماني يمكنها ان تشكل روافد هامة من شأنها ان توسع مجرى تيار الكفاح الثوري في حال استخدامها من اجل خلق التوتر الطبقي والحيلولة دون انفراجه وتأزيم التناقضات الطبقية الى اقصى درجات التفاقم ، بغية انضاج الظروف الموضوعية الملائمة لتفجير الثورة الشعبية المسلحة في الوقت المناسب.

إذا كنا نؤمن بان الصراع الطبقي هو المحرك للتاريخ، وان التاريخ لم يعرف ابداً طبقة سائدة تخلت عن سيطرتها بطيب خاطر ، فإننا سندرك بأن أية مسألة من المسائل الهامة التي تتعلق بالصراع الطبقي في بلداننا لن تحل بغير العنف، ولسنا نحن الذين نقرر هذه الحقيقة. وإنما هي مفروضة علينا بإرادة الطبقات الرجعية التي هي أول من يضع الحراب على جدول التعامل معنا . وقد اعلنت جهاراً بأنها سوف تقطع اليد التي تمتد الى نظامها الرجعي العميل .

إنّ حزبنا يؤيد العنف الثوري الصادر عن الشغيلة وسائر الجماهير المستغلة والموجهة ضد المستغلين من راسماليين واقطاعيين. إن العنف كان احدى الموضوعات الماركسية- اللينينية- التي اكد عليها معلمو الطبقة العاملة.وما تزال الحاجة ملحة اليه في بلداننا , ومن واجبنا ان نعلم الجماهير الكادحة اهمية ممارسته بإنتظام وبدون تردد .” ان طبقة مضطهدة مظلومة لا تبذل قصارى جهدها للتعلم على استخدام السلاح ، وامتلاك الاسلحة، لا تستحق ان تعامل ، إلا معاملة العبيد . إذ أنه لا يمكننا في نهاية المطاف . أن ننسى، إلا إذا اصبحنا مسالمين برجوازيين او انتهازين . اننا نعيش في مجتمع طبقي لا يمكن الخروج منه الا بالنضال الطبقي. وفي كل مجتمع طبقي- سواء أكان قائماً على العبودية ، أم القنانة، أم كما هي الحال اليوم، على العمل المأجور- تكون الطبقة الظالمة المسلحة “.

إنّ تسليح الجماهير، كي تتمكن من دحر زمر البورجوازيين والاقطاعيين. هو التكتيك الاكثر فعالية الذي ينبغي ان تتبعه الطبقات الثورية. إذ طالما بقيت الجماهير عزلاء فإن كل نضالاتها وانتفاضاتها . سوف تبقى نضالات وانتفاضات هامشية طارئة. من السهل جداً على الطبقات الرجعية تطويقها وكسر حدتها واخمادها بالوسائل المتيسرة لديها واجهزتها القمعية المتمرسة بضرب حركة الجماهير وكبح جماح نهوضها .

إن التأكيد على العنف الثوري ، لا ينبغي ان يغيب خصوصية الوضع اللبناني المتمثلة بطبيعة نظامه السياسي ، وارتباطاته الدولية ، وطبيعة المرحلة الراهنة المتسمة بالانحسار والتراجع الذي تعانيه القوى الثورية ، ولكن الامر الذي يجب جلب الانتباه اليه هو ان خصوصية الوضع اللبناني ، التي جعلت منه بلداً متميزاً عن البلدان العربية الاخرى. إن هذه الخصوصية لم تلغ ولم تغير طبيعة الطبقات الرجعية الحاكمة. التي ما انفكت تعلن عن تطيرها من اي تحرك جماهيري. والتي لم تتوان عن ارتكاب ابشع الجرائم بحق جماهيرنا والتي ترتبط بالقوى التقدمية والوطنية وتبيت لها مجزرة جديدة!

إن التأكيد على العنف المسلح، لا يعني المباشرة به فوراً وبدون حساب للظروف الملائمة للشروع به. وإنما يأتي التأكيد عليه بمثابة تعبير عن الايمان بأن الاسلوب الذي يجعل من امكانية تحقيق الاهداف النهائية امكانية واردة لا يصح فصله عن طبيعة الاهداف ذاتها . الامر الذي يجعل الكفاح بمختلف مستوياته واشكاله هادفاً بلوغ الاهداف نفسها ، ومعلوم فإن الانشداد الى الهدف النهائي لا بد ان يكون مقروناً بإسلوب تحقيقه وصولاً للوقت المناسب، وبين حزب يعد نفسه وجماهيره على اساس خوض الكفاح المسلح في الوقت المناسب، وبين حزب يعد نفسه وجماهيره على اساس آخر ، فالأول يكون مستعداً لتقرير الموقف وحسمه لصالح الثورة حيث تدق ساعة الانتفاضة بينما الثاني يجد نفسه مأخوذاً على حين غرة وفاقداً القدرة على اخذ زمام المبادرة المطلوب اتخاذها .

4

هذا هو المنطق الفكري لرؤية حزب العمل الاشتراكي العربي، المستقبلية . وفيه نطالع تحديداً لطبيعة المجتمع اللبناني الرأسمالية المختلفة من جهة ، وتأكيداً لتفاقم ازمة النظام العامة . غير ان التقرير . مع ذلك يحدد طبيعة الثورة اللبنانية المطلوبة لتحرير الشعب . بكونها ثورة وطنية ديمقراطية بسبب تخلف الرأسمالية اللبنانية . وان العنف الثوري المسلح هو الاسلوب الذي يجب ان ترتبط به كل اساليب النضال الاخرى . لانه هو الاسلوب الرئيسي القادر على تحقيق الانتصار الثوري الحاسم . من جهة اخرى .

واضح ان الرؤية التي سجلها التقرير ، لم تدعو للمباشرة في الثورة ،بل حددت الافق الذي تتحرك ضمنه حركة التطور التاريخي ، والاسلوب القادر على حسم الصراع لصالح الشعب وتحرير المجتمع اللبناني من ازمة نظام الطبقات الرجعية السائدة . معنى ذلك ان المؤتمر الوطني الأول ، قد نظر لموضوعة الثورة واسلوب تحقيقها من منظار جدلي يربط بين ماهو موضوعي وما هو ذاتي . ربطاً يؤكد استيعابه جدلية منهجه وعلميته .

 يقول لينين: ” إن الماركسي لا يشك مطلقاً في ان الثورة مستحيلة دون وضع ثوري ، لكن ليس كل وضع ثوري يؤدي الى الثورة. فما هي بعامة دلائل الوضع الثوري ؟ يقيناً لن نخطئ اذا اشرنا الى الدلائل الرئيسية الثلاثة التالية : 1- ان يستحيل على الطبقات السائدة الاحتفاظ بسيادتها دون اي تغيير : ان تنشب هذه الازمة او تلك في ” القمة” ،اي تنشب ازمة في سياسة الطبقة السائدة ، تسفر عن صدع يتدفق منه استياء الطبقات المضطهدة وغضبها ، فلكي تتفجر الثورة ، لا يكفي عادة ” الا تريد القاعدة بعد الآن” ان تعيش كما في السابق ، بل ينبغي ايضاً ” الا تسطيع القمة ذلك “. 2- ان يتفاقم بؤس الطبقات المضطهدة ويشتد شقاؤها اكثر من المألوف. 3- ان يتعاظم كثيراً ، للاسباب المشار اليها آنفاً . نشاط الجماهير التي تستسلم للنهب بهدؤ في زمن “السلم” ولكن التي تدفعها  . في زمن العاصفة ، سواء اجواء الازمة كلها ام ” القمة” نفسها ، الى القيام بنشاط  تاريخي مستقل .

وبدون هذه التغيرات الموضوعية المستقلة، لا عن ارادة هذه الكتل والاحزاب او تلك وحسب ، بل ايضاً عن ارادة هذه الطبقات او تلك. تستحيل الثورة ، بوجه عام، ومجموع التغييرات الموضوعية يسمى وضعاً ثورياً. هذا الوضع كان قائماً عام 1905 في روسيا وفي جميع المراحل الثورية في الغرب ، ولكنه كان قائماً ايضاً في سنوات العقد السابع من القرن الماضي في المانيا، وكذلك من 1859 الى 1861  ومن 1879 الى 18880 في روسيا ، وإن لم تقع ثورات في تلك الفترات . لماذا؟ لأن الثورة لا تنشأ عن كل وضع ثوري، انما تنشأ فقط اذا انضم الى جميع التغيرات الموضوعية المذكورة آنفاً تغيير ذاتي . واعني به قدرة الطبقة الثورية على القيام بأعمال ثورية جماهيرية، قوية الى حد انها تحطم ( او تصدع) الحكم القديم الذي لن ” يسقط” ابداً حتى في فترة الازمات ، إن لم ” يعمل على اسقاطه “.فإذا كانت الثورة لا تحدث بقرار ذاتي، ولا يكفي لحدوثها نضج الظرف الموضوعي لوحده ، فكيف ينبغي فهم العلاقة الجدلية بين الكفاح المسلح باعتباره الاسلوب الرئيسي لاحداث الثورة . وبين الاساليب النضالية الاخرى . ايهما يؤدي الى الاخر وينضح الظرف لاستخدامه ؟

لا ريب في ان الاساليب النضالية . كالتظاهرات والاضرابات والاعتصامات وغير من مظاهر الاحتجاج على الظلم ، تسبق اسلوب الكفاح المسلح وتعمق على انضاج الظرف الموضوعي لاستخدامه. وبدون ذلك فإن استخدام السلاح لن يكون سوى مغامرة لن يكتب لها النجاح . اما سبب ذلك فيرجع الى ان ظاهرة العمل الثوري المنظم . لا يمكن ان تظهر الى الوجود , مالم تكن انعكاساً لنضج الظرف الموضوعي . وقابليته للتغيير الثوري . ولن يتجلى مثل هذا النضج الموضوعي مالم يطغ ظلم الحكام وعجزهم عن تلبية الحاجات المستجدة التي تفرضها حركة تظور وعي الجماهير لمعنى الحياة . وادراكها لضرورة توفر متطلبات كانت تعتبر من الكماليات . خلال المرحلة السابقة. وعلاوة على ذلك فإن الاساليب الكفاحية الاخرى لا تستنفد ولا تفقد جدواها حتى خلال تصاعد الحركة النضالية لمستوى اسلوبها الرئيسي . اي الكفاح  المسلح ، الذي يعزز اكثر فأكثر اهمية المنشور والبيان والصحيفة والاذاعة والمظاهرة والاضراب وكل اشكال الاحتجاج والتحريض ، التي تشكل روافد هامة تصب في المجرى النضالي الثوري العام!..

إنّ هذه البدهيات تؤكد على ان مراعاة العلاقة بين العنف المسلح وبين الاساليب النضالية الاخرى . تتبع من حاجة الاسلوب الرئيسي لاحتضان الجماهير له وتغذيتها لحركته . لذا فان اهمال او تجاهل الاساليب النضالية الاخرى.لن يعنيا غير الاهمال والتجاهل لمزاج الجماهير ورغبتها في احدث التغيير والتحرر من نير الرجعية . ذلك ان اسلوب الكفاح . يترجم اول ما يترجم من قبل العناصر الطليعية الثورية . ولن يتحول الى اسلوب لحركة الجماهير إلاَّ في مرحلة الثورة المسلحة الثالثة . التي تنشأ باحضان المرحلة الثانية (العصابات) . اما الاساليب الكفاحية الاخرى فانها ، رغم دور ولهذا السبب يعمد الثوار الى التراجع عندما تتعرض حركة الثورة للعزلة عن الجماهير ، وهذا الامر طبيعي لان الثوار يقدمون على الثورة من اجل تحرير الانسان وتمكينه من صنع الحياة اللائقة به . 

ثالثاً : هذا هو منطلقنا وفهمنا اللذان ننظر من منظارهما للعمل الثوري واطاره العام : العمل الوطني نظرة كانت قد تدفعنا باستمرار لحث الحركة الوطنية وحضها على امتلاك زمام امرها. يبد اننا في كل مرة نتلقى رداً ضرورياً لتقويم العمل الوطني وتصويب مساره ، وعلى سبيل المثال ليس الحصر ، فإننا سنعيد التذكير ببعض مبادراتنا .

شاهد أيضاً

سنبقى أوفياء (الاخيرة)

الحلقة الاخيرة الجزء الاول سنبقى أوفياء يقول السؤال الذي اختتمنا به الحلقة التاسعة: إذا كان …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *