سنبقى أوفياء (٣) هاشم على محسن

سنبقى أوفياء (٣)

الحلقة الثالثة 

” الزملاء والرفاق رئيس وأعضاء المجلس السياسي المركزي للأحزاب والقوى الوطنية التقدمية ” 

بادئ ذي بدء لا بد من التأكيد على أن الوقائع والأحداث التي أجبرت الرفيق الأمين العام التنفيذي والقوى الموجهة له على صياغة هذه ” النظرة السياسية إلى الصراع الدائر على الساحة اللبنانية حاضراً ومستقبلاً والمهمات الرئيسية للنضال الوطني في الظرف الراهن …” ، قد جاءت تطوراتها اللاحقة منذ كتبت هذه الوثيقة حتى الآن( احداث عين الرمانة،بيروت الغربية، وزحلة). لتزيد من إلحاح الضرورات الداعية الى تنظيم أوضاع مناطقنا وإخضاعها لسلطة وطنية ديمقراطية. بغية تحقيق أولى خطوات المواجهة الجدية للمشروع الانعزالي- الفاشي- الصهيوني.

وإنطلاقاً من شعورنا هذا ، فإننا سنناقش” مشروع الوثيقة”، بتفصيل يسمح لنا بتناول موضوعاتها التي نعتبرها هامة وخطيرة في آنِ معاً هامة لكونها تصوغ تحريرياً، لأول مرة، منذ صدور ” برنامج الإصلاح المرحلي”، موضوعات الساعة التي تتطلب معالجة عاجلة وملحة وخطيرة ، لأنها- رغم إقرارها بضرورة المواجهة- قد أفرغت خطة مواجهة المشروع الانعزالي- الفاشي- الصهيوني من مضمونها الجدي وحولتها الى مجرد خطة أمنية طارئة وملحة بخطط “الدولة اللبنانية “.. وسياسة الوفاق البائسة .

أما موضوعات وجهة نظرنا، فستنقسم إلى ثلاثة اقسام، تتناول خصائص الوضع الراهن وعلاقتها بالعوامل التي فجرت الحرب الأهلية في لبنان . أولاً، ثمّ تناقش نظرة”الوثيقة”إلى

” معطيات الأزمة اللبنانية ” . ثانياً ، وتتطرق لخطة المواجهة المطلوبة للمشروع الانعزالي- الفاشي- الصهيوني ، ثالثاً . 

ونطالع ، في أبحاث هذه الأقسام الثلاثة كلاماً مكرراً، لم نعجز عن تكراره كلما توفرت فرصة : 

” إذا حاكمنا دور الحركة الوطنية على اساس امنيتها بأن تتحرر الجماهير الشعبية من الإضطهاد والإستغلال، وتتمتع بحريتها الديمقراطية وبحقها في تحسين أوضاعها المعيشية، وجعل حياتها لائقة بالإنسان اللبناني … إذا حاكمنا دور الحركة الوطنية على اساس ما تتمناه للجماهير ” فإنّ هذا الدور يوصف بالطليعية ، بكل تأكيد، لأن أحداً لا يشك بإخلاص الحركة الوطنية وعطفها على جماهيرها أما إذا تمت المحاكمة على اساس ما يجب ان يكون عليه الدور الطليعي في زمن يشن فيه الفاشيون حرباً أهلية على الجماهير وقواها الوطنية والتقدمية، فإنّ المحاكمة ستؤكد ذيلية الحركة الوطنية للأحداث وعجزها عن المبادرة الطليعية “.

” إننا لا نحاكم هذا الحزب أو ذاك، هذه المنظمة او تلك، وإنما نحاكم قيادة الحركة الوطنية التي يفترض فيها توجيه وقيادة كافة الأحزاب والمنظمات المنضوية في إطار المجلس السياسي المركزي، وعلى سبيل المثال ، فإننا في حزب العمل الإشتراكي العربي لا نعتبر أنقسنا مسؤولين عن عجز الحركة الوطنية عن آداء  دورها الطليعي . طالما أننا نحث قيادتها بإستمرار على ضرورة لعب مثل هذا الدور وطالما اننا نبدي إستعدادنا للإسهام في مجابهة الفاشية وردعها وتركيعها، لدرجة تعرض معها حزبنا إلى الضغط من قبل المجلس السياسي المركزي والتحذير من مغبة إندفاعنا لمقاتلة الفاشيين عام 1978 في منطقة الشياح ، والأمر نفسه ينطبق على بعض الأحزاب والحركات الأخرى، التي شهدت المعارك والمجابهات مع الإنعزاليين- الفاشيين،بدورها الطليعي، غير ان المعضلة التي نواجهها أكبر من أي حزب أو منظمة أو حركة بمفردها، لذلك فإن المسؤولية التي تنفرد في رسم السياسة العامة وتقرر النهج الملتزم والمفروض من قبل هذه الأحزاب والمنظمات في بقية الأحزاب الأخرى .

لقد عجزت الحركة الوطنية عن لعب دورها الطليعي وتراجعت امام تقدم المشروع الفاشي، عجزاً وتراجعاً تمكن معهما هذا المشروع الإنعزالي- الصهيوني، من أن يحذر نفسه ويخطو بنجاح نحو مآربه وغاياته !..”.

إنّ ممارسة الحركة الوطنية سوف تبقيها ” تراوح في المكان امام تشابك عوامل الأزمة ، بقاء يجعلها تدور في ذيل حركة الواقع وقرارات اطراف الصراع الأخرى !”.

لاحظ أيها القارئ الكريم ما تقوله مذكرتنا هذه وأعد القراءة العبارة الأخيرة أفلا ترى أنها تشخيص دقيق لواقع العجز الذي تعيشه الحركة الوطنية. ثمّ ألا ترى ان وقائع السنوات المنصرمة جاءت مؤكدة واقع العجز هذا لدرجة باتت معها حركتنا الوطنية تعيش حالة ضياع بعد أن دخلت بنفق مظلم أصبحت معه البنادق الوطنية مصدر إزعاج للجماهير ووسيلة لاعتياش المتاجرين بالعمل الوطني والشبيحة والأشقياء والـ…؟ 

تتابع المذكرة تعليلها لاعتراض حزب العمل الإشتراكي العربي على تخلي الحركة الوطنية عن ” برنامجها الإصلاحي “:

” إن التنازل عن ” برنامج الإصلاح المرحلي”، ليس مؤقتاً ،وإنما هو تخلي نهائي، وخطوة الى الوراء، تسجلها الحركة الوطنية على نفسها وعلى نهجها مقابل شيء وهمي إسمه الوفاق ، ربما يلبي رغبة بعض المنظمات والإحزاب بالحصول على رخصة بالعمل العلني كي يسهم بالنضال الديمقراطي العام مقابل إفراغ نهج الحركة الوطنية من مضمونه التقدمي . وإن لم تكن هذه الحقيقة ، فما هو الداعي لأن تتنازل الحركة الوطنية عن ” برنامجها الإصلاحي” ؟ هل تغيرت الظروف وانتقت بهذا التغيير موجبات وجود ” البرنامج، ومبررات طرحه ؟

سنبقى نحرث في بحر تفاقم الأزمة دون جدوى مالم نمتلك

 مشروعنا الوطني الديمقراطي الشامل وما لم تترجمه بهمة ثورية 

تفوق همة عملاء الصهيونية

معلوم ” أنّ البرنامج ” صدر، بإعتباره خطوة سياسية أولى، ستعقبها خطوات ” أي”برنامج” إقتصادي- إجتماعية كما وعدت القوى التي اصدرتها ، ومعلوم ايضاً ، أنه صدر في آب 1975، أي بعد ستة شهور من حدوث الحرب الأهلية- التي كشفت بشكل لم يسبق له مثيل. عمق أزمة النظام العامة وشمولها، مما تطلب مبادرة عاجلة من أجل معالجة تفاقم الأزمة وتفجرها !…

لقد انكشفت علة النظام اللبناني القاتلة، وتطلب الأمر معالجة سريعة، فجاء” البرنامج” حاملاً مثل هذه المعالجة الإصلاحية. فهل تم شفاء النظام من علته ولم يعد بحاجة للمعالجة، أم أن الأحزاب والقوى التي اصدرته قد اكتشفت أن ” برنامجها” لا يحمل علاجاً لنظام الحروب الأهلية ؟”.

لقد كنا صريحين جداً مع رفاقنا وزملائنا في الحركة الوطنية وقد نبهناهم الى خطورة نهجهم مراراً وتكراراً وحذرناهم من يأس الجماهير وابتعادها عن العمل الوطني .

لقد كانت جماهيرنا تطالبنا بتكثيف إنتشار السلاح الوطني. ” فأصبحت تطالبنا بـ” تحريرها” من مكاتبنا الوطنية التي تحولت بسبب النهج الإصلاحي والتربية الخاطئة الى اوكار للعصبيات الحزبية الضيقة والنعرات الطائفية والعائلية وقبضايات المحلات الشعبية ، لدرجة أمسى معها الأشقياء والزاعران حملة بطاقات حزبية وبنادق وطنية الأمر الذي أساء كثيراً للحركة الوطنية وشوه احزابها النافذة . مما اضطرها الى التشبث بالحلول الأمنية الجزئية التي ستفشل بكل تأكيد مالم تستند الى نهج سياسي ثوري وخطة قتالية  تمثل رداً شاملاً على المشروع الإنعزالي – الفاشي- الصهيوني . 

أين هي الخطة السياسية ، وأين هو القرار السياسي الذي اتخذناه نحن لفرض الحل الناجح للأزمة التي يعاني منها شعبنا، كي نسمح بتنصيب انفسنا مرشدين وموجهين لرئيس الجمهورية وأمثاله ؟

 سنبقى نحرث في بحر تفاقم الأزمة دون جدوى مالم نمتلك مشروعنا الوطني الديمقراطي الشامل ومالم تترجمه بهمة ثورية تفوق همة عملاء الصهيونية!…”

هـ- قدمنا هذه المذكرة في 28\12\1980، ونشرناها بكراس في أيار 1981، دون ان نتلقى جواباً عليها، وبعد العدوان الصهيوني في العام 1982، وتشتت تشمل الحركة الوطنية وانهيار صيغة منظماتها القائمة . شكلنا مع الحزب الشيوعي ومنظمة العمل الشيوعي” جبهة المقاومة الوطنية “. فعقدنا املاً على ان تكون ظروف الإحتلال ومجابهته فرصة لمراجعة نهج العمل الوطني الإصلاحية ولصياغة منهج جديد ينتشل الحركة الوطنية من تبعيتها ” للآخرين” ويتيح لها إمتلاك منهجها الوطني ، بيد ان قيادة الحزب الشيوعي ، لم تتعامل مع الجبهة بإعتبارها مشروعاً كفاحياً وطنياً جديداً، بل إنها اعتبرتها ورقة للمتاجرة تمنحها بقرار منها لمن تريد وتحجبها عمن لا تريد . لدرجة انها أنكرت بصلافة منقطعة النظير حتى دورنا بتشكيل جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية . وبعد ان فاجأوا الجماهير بما يسمى بجبهة الخلاص دون إيضاح وتبرير ، قفز “قادة” العمل الوطني على تجاري الكفاح الوطني، ليصفعوا “الناس” بيان عن قيام ما سمي يومها باللجنة التحضيرية للجبهة الوطنية الديمقراطية . فاضطررنا لمناقشتهم على صفحات الجرائد والمجلات علناً بمقالة نشرتها جريدة ” السفير” ومجلة” الثوري” تحت عنوان ” ملاحظات خجولة على بيان اللجنة التحضيرية”. شرحنا فيها وجهة نظرنا بطبيعة العمل الوطني وأسسه الفكرية والتنظيمية .

كانت جماهيرنا تطالبنا بتكثيف انتشار السلاح الوطني

فأصبحت تطالبنا بتحريرها من مكاتبنا الوطنية التي

تحولت بسبب النهج الاصلاحي والتربية الخاطئة الى

اوكار للعصبيات الحزبية الضيقة والنعرات الطائفية

والعائليات وقبضايات المحلات الشعبية

كان طبيعياً ان تفشل اللجنة التحضيرية ولكننا استبشرنا خير حين تواضع المؤسسون وشكلوا وفداً لمقابلة الأحزاب والمنظمات الوطنية بغية الإطلاع على وجهات نظرنا . واثناء اللقاء، عرضنا وجهة نظرنا ،فاعترف الرفيق كريم مروة بأنهم في الحزب الشيوعي اللبناني. حاولوا مراراً ان يرجعوا تجربة العمل الوطني ولكنهم عجزوا . وحبذا ان نقوم نحن بمثل هذه المراجعة . ونظراً لانعدام الثقة بالكلام الشفهي ، خاصة حين يصدر عن أناس لا يلتزمون بالأمانة التاريخية في تناولهم للعمل الوطني. وعامة وتجربة جبهة المقاومة الوطنية ،خاصة ، فقد عمدنا لكتابة المذكرة التالي :

” الرفيق الرئيس وليد جنبلاط

الرفاق الزملاء\ اللجنة التحضيرية لمشروع الجبهة الوطنية الديمقراطية 

تحية رفاقية وطنية”

” بناءً على الحوار الذي جرى مع الرفاق اعضاء لجنتكم الموقرة التي كلفت من قبل الرفيق الرئيس وليد جنبلاط بالإتصال بنا ، نسجل فيما يلي تصورنا لأسس إعادة بناء الحركة الوطنية “المنحلة”.

يهمنا ان نستهل وجهة نظرنا بالتقدير لمبادرة الإتصال بالقوى والشخصيات التقدمية والوطنية ، لأنها تجسد فهماً لديمقراطية العلاقات الوطنية ، من جهة، ولأنها تتلافى بهذا التجسيد خطأ التسرع بالإعلان والتصرف باسم العمل الوطني الذي إرتكبته اللجنة قبل الوقوف أمام طبيعة الظرف الراهن والتعرف على المستجدات الموضوعية والذاتية ،التي أحدثت اختلافاً جوهرياً في واقعنا . من جهة ثانية ، ولأنها تتيح لعملنا الوطني الذي تحاول لجنتكم الموقرة النهوض بإعادة تنظيمه ” أن يغتني بإسهام اطرافه على مختلف التزاماتها السياسية والفكرية والتنظيمية من جهة ثالثة .

2

إنطلاقاً من شعورنا بالمسؤولية التي ألقيتموها  على عاتقنا، وبالفرصة التي اتحتموها لنا ، بالتداول مع الرفاق أعضاء لجنتكم الموقرة ، فقد وجدنا- بعد التأمل- أن إسهامنا بإلقاء ضوء على معضلة إعادة تنظيم حركتنا الوطنية، التي بادرتم لمعالجتها، محصور بواحد من نهجين : أما ان نحصر إهتمامنا بإقامة تجمع لعدد من الأحزاب، كما فعلت اللجنة التحضيرية ، غير سائلين عن الإنعكاس السلبي لمثل هذه المسلكية على العمل الوطني العام، واخطره تمزيق الصف الوطني وتكريس حالة الضعف التي تعيشها واما ان نتحمل مسؤولية النهوض بالعمل الوطني وإعلاء شأنه. بإرسائه على اسس فكرية وسياسية وتنظيمية واضحة ومحددة ومسؤولة تقوم بالاستناد اليها جبهة عمل وطني ديمقراطي عريضة تجمع كافة أطراف صفنا الوطني وتنظيم قواه المتناثرة!…

إذا اعتمدنا الاسلوب الأول- إقامة تجمع- فسنشطب على ماضي العمل الوطني- شطباً يجعل من حديثنا عن ضرورة إعادة تنظيمه نمطاً من أنماط تبرير الإنقسام والتمزق . إنسياقاً وراء المصالح الحزبية الضيقة . أما اذا اعتمدنا الاسلوب الثاني- تشكيل جبهة عمل وطني ديمقراطي- فسنكون مطالبين بالعودة الى الماضي ، لنقرأ صفحاته واحدة واحدة . قراءة تفرز مافيها من صواب وخطأ. لكي نؤكد على ضرورة تكرار الصائب والاحتفاظ به وإغنائه بمعطيات الجديد الذي نعيشه ، لكي نفضح الخاطئ ليكون عارياً امام الانظار، فضحاً يردع مقترفيه من جهة ويحوله الى درس يحول دون  تكراره من جهة اخرى .

إننا ، أيها الرفاق ، نعالج موضوعاً ، فكرياً- سياسياً علمياً متطوراً . وموضوعاً كهذا ، لا يتم التأكد من صوابه ولا تكتشف اخطاؤه ، في المختبرات العينية، كما هو شأن العلوم الأخرى . لذلك فإنّ معالجتنا لا تستقيم بدون العودة للماضي … بدون المراجعة النقدية التي هي وسيلتنا الوحيدة …” مختبرنا العيني ” الوحيد الذي نستطيع معه معرفة حقيقة تجربتنا …جوهرها… خصائصها ودروسها الإيجابية والسلبية.

نجلب الإنتباه لهذه الخاصية من خصائص الموضوع الذي نعالجه ،لكي لا يساء فهمنا ونوصم بالرغبة في نشر غسيل الماضي وتصيد أخطاء قد لا يجد” البعض” مهرباً من الوقوع فيها . نتيجة تستره على أخطائه واشمئزازه منها ،رغم انها تشكل جزءاً من ماضيه، نتيجة شعوره بحاجته الملحة لأن يكون في موقع التوجيه الأول للحركة الوطنية لكي يضمن المنفعة ويؤمن الفائدة التي تشكل الدافع : لأولئك” الذي يرون بتقويم العمل ،إساءة، وبالمراجعة فضيحة ووصمة !…

أيها الرفاق والزملاء،

إنّ العمل الوطني، يرتبط، من الناحية التاريخية ، بنشوء الحزب الشيوعي . إذ بقيامه تتجلى إمكانية العمل الوطني وتبرز ضرورته امام انظار التقدميين والوطنيين . ومعنى هذه الحقيقة ان عمر العمل الوطني المنظم يربو على الستين سنة ، وهو عمر مديد جداً إذا ماقيس بغيره من التجارب الوطنية في العالم التي استطاعت ان تحقق لشعوبها اهداف نضالها بفترات اقل بكثير مما توفر لعملنا الوطني الذي مايزال يتخبط بمتاهات عدم معرفة كيفية اعادة تنظيم أوضاعه وكيفية العمل وسط الجماهير واقناعها باهليته لتمثيلها .

إنّ هذه الحقيقة يؤكدها بإستمرار الأمين العام للحزب الشيوعي وتؤكدها الأدبيات الصادرة عن كتاب الحزب ومؤرخيه، كما يؤكدها البيان المشترك الصادر عن الرفيقين وليد جنبلاط وجورج حاوي، الذي شكل اساساً لإعلان تشكيل اللجنة التحضيرية !..

فإذا استندنا الى هذه الواقعة التاريخية . فلا بد ان نقيم عملنا الوطني على اساس تحديد واضح لكافة المنعطفات التاريخية، فلا بد ان نقيم عملنا الوطني على اساس تحديد واضح لكافة المنعطفات التاريخية التي عاشها لبنان منذ عقد العشرينات حتى اليوم !..

لقد كان العمل الوطني مجرد حلم يراود الأذهان،ثم صار حزباً شيوعياً وحركة وطنية . وخل هذه المسيرة …خلال هذا التطور التاريخي . تستوقفنا مواقف حركتنا الوطنية وكيفية مواجهتها لتطورات احداث المجتمع اللبناني … للمنعطفات التاريخية التي رسمها هذا التطور . ولكي لا نغوص بعيداً بوقائع مثل . قيام لبنان الكبير وصدور دستوره السائد حالياً وحصوله على الاستقلال … لكي لا نغوص بوقائع جعلها التطور مجرد تفاصيل تاريخية ، بالنسبة للحركة الوطنية التي نحاول القاء نظرة على ماضيها ، من اجل التعرف على حاضرها ، ورؤية مستقبلها الذي نطمح ان تكون قادرة على بلوغه،فإننا سنقف امام اهم المنعطفات منذ عقد الخمسينات حتى اليوم .

المنعطف الأول : المرحلة الأولى لتفاقم أزمة النظام العامة .

لقد بقي لبنان يعاني من الإنقسام حتى عقد الأربعينات ،حين اعتبر إتفاق الخوري- الصلح ميثاقاً وطنياً، بدأ معه لبنان يعيش وحدة نظام التركيبة الإقطاعية- البرجوازية الطائفية، المحددة بدستوره السائد. وما كادت تمضي خمس عشرة سنة على ذلك الإتفاق- الميثاق،حتى انفجرت أزمة النظام العامة . إنفجاراً أشتعل بنتيجته فتيل الحرب الأهلية عام 1958، مما كشف للعيان تخلف القوى الطبقية صاحبة النظام ، وعدم ملائمة صيغته الطائفية لحاجات اطراد تطور المجتمع اللبناني . وذلك ان نظامناً رأسمالياً لا تتفجر أزمته العامة . مالم تبلغ مقومات اطراد تطوره مرحلة شيخوختها وعجزها عن مواكبة التطور ، مما يطرح قضية إسقاطه على القوى الوطنية عامة والتقدمية منها على وجه الخصوص !…

معلوم ان الحرب الأهلية عام 1958، قد انتهت بشعار ” لا غالب ولا مغلوب “، وملعوم ايضاً ، فإنّ النتيجة التي عبر عنها هذه الشعار كانت دليلاً مشهوداً على عجز القوى الوطنية عامة والقوى التي تعتبر نفسها الركيزة التي قام العمل الوطني على اساسها، خاصة . فما لم يكن الشعب هو المغلوب. يستحيل تحقيق شعار كهذا !…

هنا ينبغي ان نقف قليلاً امام مقولة الأمين العام للحزب الشيوعي التي يكررها بإستمرار وبإعتداد ملحوظ ، والتي تعتبر ان العمل الوطني قام تاريخياً . وما يزال قائماً على تحالف الحزبين : الشيوعي والتقدمي الاشتراكي . ومعلوم فإنّ هذا الاعتبار لا يقصد به الناحية التاريخية،فقط، وانما يورد بغية تذكير القوى الاخرى التي لم تشارك بهذا السبق التاريخي . وجلب انتباهها لضرورة حفظ حق الحزبين في أية مبادرة لتنظيم العمل الوطني وقيادته !…

إننا لا نقف امام هذه المقولة ، من اجل التدقيق بصحتها او عدم صحتها. فليس هذا هو الامر الذي يعنينا ، إذ من حق اي حزب ان يعتد بإيجابيات تاريخية . كما إننا نشارك بالتأكيد على ان الشهيد كمال جنبلاط، كان مؤسساً للحركة الوطنية مثلما كان غطاءها السياسي ولكننا اردنا بهذه الوقفة ان نلفت النظر، الى ان الاعتداد بهذه المقولة يلقي على عاتق اصحابها تبعات الفشل والهزائم التي منيت بها الحركة الوطنية وتيارها . أيضاً . فلا يصح لأحد من الناحية المنطقية ان يعتد بجوانب فعله الإيجابية ويتهرب من تحمل تبعات الجوانب السلبية!..

إننا نحاكم اصحاب هذه المقولة بموجب مقياس منطقي علمي ، أما إذا رأوا غير ذلك، فإنّ مبرر هذه المراجعة العامة والسريعة يفتقد حوافزه ودوافعه . فقيمة هذه المحاولة ان تساعد على كيفية التعامل مع تيارنا الوطنية واعادة بنائه ، على اسس مبدئية امتن ورؤية عملية اوضح . تحرره من النزعة التجارية التي لا ترى العمل الوطني ضرراً بالغاً . فلو كانت نظرتنا لمشاركة احزابنا في إعلاء شأن العمل قائمة على غير اساس نظرة الحزبية الضيقة ، ولكن شأن حركتنا افضل بكثير مماهو عليه اليوم ، بكل تأكيد .

3

قد يرى بعضهم “، بهذا الكلام عوضاً بعيداً بتفاصيل تاريخية لا ضرورة لها ، خاصة وان الامر المطروح محصور بإعادة تنظيم القوى الوطنية والتقدمية ، بيد أن تسليمنا بوجاهة هذه الرؤية من شأنه ان يجرد عملنا الوطني من خليفته التاريخية . أما ان نعتبر مقولة الأمين العام للحزب الشيوعي، مسلمة تاريخية ، وحقاً له وأما ان نعتبر تاريخ العمل الوطني يرتبط بأواسط الستينات . أي بقيام لقاء الأحزاب والشخصيات تحت قيادة  الشهيد كمال جنبلاط إن الإعتبار الأول يجعل سجل العمل الوطني الذي تنبغي مراجعته ونقده ، مسطراً ومحتوياً لكل الاحداث منذ العام 1924 ، بحيث يعتبر تاريخ قيام الحزب الشيوعي ، منطلقاً للعمل الوطني . أما الإعتبار الثاني ، فيقوم على رفض هذه المقولة . واعتبار المراجعة مرتبطة ومقصورة من الناحية التاريخية بقيام العمل الوطني الجماهيري بغض النظر عن تاريخ نشوء هذا الحزب او ذاك.

أنّ التحديد مسألة مهمة ، لكونه يمكننا من معرفة تاريخنا الوطني ، من جهة ، ويحرر عملنا الوطني المشترك، من الإستغلال الذي يمارسه ” بعض” الأحزاب تحت ذرائع مختلفة ، من جهة أخرى !..

ولكن سواء التزمنا بمقولة الرفيق جورج حاوي ، أم رفضناها فإننا ملزمون بإعتبار الحرب الأهلية عام 1958 ، منعطفاً تاريخياً للعمل الوطنية . إذا كنا ننظر للحرب بوصفها أولى مراحل الأزمة العامة لنظام الرأسمالية المختلفة في لبنان . من جهة، وإن تيارنا الوطني يمثل القوى الطبقية الصاعدة البديلة لقوى النظام الطبقية العاجزة . الأمر الذي يحتم علينا إدراك الضرورة التاريخية للثورة الوطنية الديمقراطية ، وما الحرب الأهلية إلاَّ ابرز تجليات الضرورة التاريخية لتغيير النظام ، أي كان على تيارنا الوطني ان يحمل راية مايجب ان يكون ، بديلاً لما هو كائن ، من جهة أخرى .

فإذا كان منطق التطور التاريخي يحتم على قوى الصف الوطني عامة . وعلى الاحزاب التي تدعي انها من أسس العمل الوطني ووضع حجر اساسه ومدماكه الأول. بصورة خاصة … إذا كان منطق التطور يحتم على هذه القوى إرساء كفاحها على اساس التغيير الثوري انطلاقاً من استحالة تطوير نظام فاقد لمقومات التطور وشروطه ، فكيف واجهت قوى الحركة مجتمعة مرحلة الـــ ” لا غالب ولا مغلوب “… مرحلة مابعد الحرب الأهلية … مرحلة تراجع الازمة العامة عن ذروة تفاقمها الأولى … مرحلة صعود الأزمة لذروة تفاقمها الثانية ؟ 

المنعطف الثاني : المرحلة الثانية لتفاقم أزمة النظام العامة : 

شاهد أيضاً

سنبقى أوفياء (الاخيرة)

الحلقة الاخيرة الجزء الاول سنبقى أوفياء يقول السؤال الذي اختتمنا به الحلقة التاسعة: إذا كان …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *