ماهية الكيفية القانونية التي يعاد وفقها تشكيل وعي العضو المرشح بغية حصوله على عضوية الطليعه الثورية:
إن سياسة الطليعة الثورية العامة والمهام المركزية، تحدد من قبل الهيئات القيادية العليا. وبناء على ذلك، فإن تحديد هذه المهام وإبلاغها للمنظمات يجعل منها واجبات ملزمة التنفيذ.
فبدون تنفيذها حرفياً، لا تستطيع الهيئات القيادية ،ان تتأكد من ضمان تنفيذ خططها واساليب عملها وتطبيقها ، من جهة، ولا تسطيع المنظمات وجمهرة الاعضاء من مراقبة ومحاسبة الهيئات القيادية ، على تقصيراتها واخفاقاتها ، من جهة اخرى .
إن الإلتزام الصارم بسياسة الطليعة الثورية المركزية، وتنفيذ خططها التكتيكية والاستراتيجية حرفياً ، امر من شأنه أن يضع الأمور في نصابها ، ويجعل الهيئات القيادية امام المحاسبة الصارمة من قبل القواعد التي قامت بتنفيذ السياسة العامة المرسومة من قبل الهيئات القيادية التي تتحمل وحدها خطأ خططها وبرامجها. أما النجاح الذي تحرزه السياسة العامة للطليعة فيعود الفضل فيه الى المنظمات التي نفذت ماقررته الهيئات القيادية !
مما تقدم نلحظ ان عدم تنفيذ تعليمات وخطط الهيئات القيادية ، أو التهاون في التنفيذ، أمر من شأنه أن يضيع المسؤولية ويحبط الخطط التكتيكية، إذ ستتحول المسألة من فشل الهيئة القيادية الى ضياع المسؤولية بين الهيئات ، والمنظمات المقصرة، من جهة، وبين الأعضاء من جهة أخرى، وبذلك يعجز الجميع عن معرفة أو عدم صحة ما رسمته القيادات ،وما نفذه أو لم ينفذه الاعضاء والمنظمات .
إن هذه القاعدة- القانون يحتم على العضو الكادر أن يتحمل مسؤوليته في اقناع المنظمات والاعضاء بها وان يكون قدوة في تطبيقها، لكي يجنبهم النظرات الذاتية التي تجعلهم عاجزين عن ادراك أهمية نتائج العمل الجماعي خارج نطاق الفرد، ويعلمهم أن الفرد مهما كانت قدراته فهو عاجز لعب دور عظيم، دون اندماجه مع حركة الجماعة ونضج وعيه بفضل انعكاسها عليه. إن الفرد يعجز عن تعليم الجماعة قبل ان يتعلم منها ويتتلمذ في إطار حركتها !
هذه هي النظرة العلمية التي تقوم على أساسها تربية أعضاء الطليعة الثورية عامة والكوادر منهم خاصة، والتي يحددها الالتزام بتطبيق منهج الجدل المادي- التاريخي على الواقع الاجتماعي . وطالما أننا نؤمن بأن الناس هم الذين يصنعون التاريخ … وأن التاريخ هو تاريخ الناس انفسهم
وأن الجماهير هي التي تقوم بالدور الحاسم في التاريخ والسياسة وأن دورها يتعاظم مع سمو وعيها وحسن تنظيمها ،لذا فدور الفرد لن يكون ذا أهمية مالم يرتبط بحركة الجماهير ويكون تعبيراً عند الاستجابة للفكر الاشتراكي بكونه يعكس السمات العامة لطبيعة عصره، فإنه يعكس أيضاً السمات القومية العامة لطبيعة أمته، يبد أنه يعكس وربما بشكل أوضح سمات انتمائه الطبقي وطبيعة حياته الخاصة . ومجمل هذه السمات يرسم طبيعة وعي الفرد بإعتباره وحدة جدلية!..
ولكن وعي الفرد- العضو ، رغم سماته الفردية ، فإنه يعكس أيضاً سمات وعيه المنظم، اي سمات وعي الطليعة للطبقة التي ينمتي إليها!..
إننا نعلم ، ان الايديولوجية السائدة هي ايديولوجية الطبقة المسيطرة .لـو أن افكار أولئك الذين لا يملكون وسائل الانتاج الروحي تصبح خاضعة على وجه العموم للطبقة المسيطرة.
ولكن في سير التطور التاريخي، ومع تفاقم التناقضات الاجتماعية ، تظهر ايديولوجية جديدة تعكس مصالح الطبقات الثورية وتنتصب ضد الايديولوجية المسيطرة وتكتسب الى جانبها جمهوراً كبيراً. وعندما تتمكن هذه الايديولوجية من كسب الجماهير تصبح قوة قادرة على حل قضايا التطور الاجتماعي الملحة.
وما الايديولوجية الجديدة، سوى ايديولوجية الطليعة للطبقة الصاعدة مع مجرى التطور التاريخي، والمتصارعة ضد الطبقات الرجعية ولذلك فإن وعي أعضاء الطليعة سواء كانوا ينتمون الى الطبقة الطليعية التي تمثلها الطليعة، أم أنهم مسلحون عن طبقات اخرى، هو (الوعي) جزء أساسي من ايديولوجية الطبقة المساعدة !..
ومعنى هذه البدهية، أن طليعة الطبقة التقدمية، ملزمة ببلورة أبديولوجية طبقتها ونشرها عبر خوض صراع تناحري ضد الايديولوجية الرجعية. وعندما تسعى لرفع مستوى وعي اعضائها ، انما تهدف الى رفع مستوى وعيها هي، بغية تعزيز مركز طبقتها في ميدان الصراع الطبقي الايديولوجي ضد الطبقات الرجعية!..
إن وعي العضو، رغم سماته الفردية ، فإنه يوجد ايضاً في وحدة جدلية مع وعي الطليعة ومثلما ينشأ الوعي الاجتماعي ويتطور ويغتني بواسطة الأفراد ،فإن وعي الطليعة ينشأ ويتطور ويغتني بواسطة اعضائه، مثلما يكون وعي الفرد في المجتمع هو نتاج للشروط الاجتماعية لحياة مجتمعه،فإن وعي العضو هو انعكاس للشروط الاجتماعية وللتربية والثقافة الطليعيتين ايضاً !
وإذن، فإن السمات الشخصية التي يكتسبها العضو نتيجة تأثير تربيته الاجتماعية ومحيطه الاجتماعي هي السمات الفردية التي توجد في وحدة جدلية مع السمات العامة المكتسبة من فكر الطليعة وتربيتها الكفاحية لأعضائها، وغالباً ما تلعب السمات الفردية هذه دوراً سلبياً.
ولكن رغم دورها السلبي في عملية الجدل بين السمات الشخصية والسمات الكفاحية الطليعية ، فإن الوعي الذي يكتسبه العضو من التربية الكفاحية الطليعية، يشكل السمات الفردية لوحدة وعيه مع الوعي الاجتماعي. أي أن ما يكتسبه العضو من الطليعة يمثل سمات فردية في الوحدة الجدلية التي تربطه مع الوعي الاجتماعي الذي يعكس الكائن الاجتماعي !..
أما الطليعة ، فهي الاخرى ترتبط بعلاقة جدلية مع المجتمع من جهة ، ومع اعضائها من جهة أخرى.
فإذل حاولنا تطبيق ديالكتيك الوحيد والخاص والعام . على العلاقات القانونية (السببية) التي تربط بين العضو والطليعة، والطبقة والمجتمع، فسنلحظ أن العضو يخضع باستمرار للتأثير من قبل المجتمع والطبقة والطليعة في آنٍ معاً . وكذلك حال الطليعة فإنها تخضع أيضاً للتأثير من قبل المجتمع والطبقة والعضو في آن سوية !..
ونظراً لكون الوحيد موجود فيما هو عام وخاص ويكون الخاص موجوداً ايضاً فيما هو عام ووحيد ، وأن العام هو الآخر موجود فيما هو خاص ووحيد ، فإن المجتمع يخضع بدوره لتأثير الطبقة والطليعة والعضو في الوقت نفسه!..
مما تقدم ، يتضح أن التأثير متبادل بين المجتمع والطبقة والطليعة والعضو، يحكم العلاقات السببية التي تربط بينهم، والتي تتجلى بالصفات المشتركة العامة التي يحملها كل منهم ، ولكن لا بد من الانتباه الى ان العلاقات بين المجتمع والطبقة والطليعة والعضو لا توجد بعملية جدلية واحدة ، وإنما هناك أكثر من عملية جدلية تلعب دورها في التأثير المتبادل مثلاً: العلاقة العامة بين الطليعة والطبقة والمجتمع، والعلاقة العامة العضو والطليعة والمجتمع، والعلاقة العامة بين العضو والطليعة والطبقة ففي العلاقة الأولى ، تكون الطليعة وحيداً والطبقة خاصاً والمجتمع عاماً ، وفي الثالثة يكون العضو وحيداً والطليعه خاصاً والمجتمع عاماً . كما تكون الطبقة عاماً بالنسبة للطليعة ووحيدة بالنسبة للمجتمع في العلاقة الأولية فإن الطليعة تكون عاماً بالنسبة للعضو ووحيداً بالنسبة للمجتمع في العلاقة الثانية . وفي العلاقة الثالثة تلعب الطليعه دور العام بالنسبة للعضو ودور الوحيد بالنسبة للطبقة. ولا بد من ملاحظة كون نسبة تأثير كل منهم على الآخر تختلف كمياً ونوعياً، فتأثير الطليعة على حركة تطور المجتمع أكبر من تاثير الفرد وتأثير الطبقة أكبر من تأثير الفرد والطليعة ، إذا استثنينا مراحل النهوض الثوري حيث تلعب الطليعة دوراً حاسماً في تطور المجتمع ، يبد أن التأثير الكمي الذي تحدثه الطبقة على المجتمع أكبر في مسار السجال الجدلي العام ، رغم الدور الطليعي الذي تلعبه الطليعة بفضل وعيها وادراكها العلمي للقوانين العامة !..
ونتيجة لهذه العلاقات، فإن تأثير الطليعه على العضو والطبقة والمجتمع يتعاظم، كلما أكدت وقائع حركة التطور المجتمع الموضوعية صحة رؤيتها وتحليلها واستنتاجاتها، ولكن هذا التأثير يتضاءل في حال حدوث العكس، نتيجة تخلفها وسيرها بذيل تطورات الاحداث، مما يخلق حالة استسلام عامة تعيشها الطليعة عيشاً ينقلها من مواقع التقدمية والثورية الى مواقع الاصلاحية والانتهازية .
ولكن هذه العملية التطويرية لا تتم بشكل ميكانيكي وإنما بشكل معقد ، وتخضع لعوامل متعددة يخرج بعضها عن عملية الانعكاس والتأثير المتبادل الموضوعية المباشرة، مثلاً: إنّ نظرة الطليعة ووعيها الى المجتمع من جهة والى طبقتها واعضائها من جهة اخرى، تغتني وتتغير، بتأثير الاطلاع والدراسة المستمرين للفكر الماركسي- اللينيني، ولمعرفة واستيعاب دروس التجارب النضالية والتنظيمية الاخرى، وبفضل ذلك يغتني وعيها وتصبح اقدر على فهم حركة مجتمعها من ذي قبل ، كما تصبح اقدر على معرفة حاجة طبقتها وأعضائها للمعرفة ، والارتفاع بمستويات وعيهم،وينعكس ذلك كله على سير العملية التطورية في وعيها من جهة ، وفي وعي طبقتها وأعضائها من جهة اخرى،وبفضل ذلك كله تصبح حركة الطليعة، أقدر على عكس واقع ومصالح الطبقة أو الطبقات التي تمثلها إن التسليم بكون الرغبة في التغيير باتت رغبة عامة، وانها إحدى نتائج تفاقم الأزمة العامة للنظام القائم،يدعو الطليعة للتسليم بأن كل أبناء الطبقات الشعبية الواعين لمضمون انتمائهم الطبقي والقومي والشاعرين بالاضطهاد الذي تتعرض له أمتهم وطبقاتهم من لدن الأعداء القوميين والطبقين… كل هؤلاء يبدأون بالبحث عن جواب للسؤال الذي يطرحه تفاقم الأزمة العامة عليهم ، والذي يتعلق بحل هذه الأزمة . وسواء بلغ وعيهم درجة ادراك طبيعة هذا الحل وماهيته واسلوب تحقيقه أم لا ، فإنهم، من الناحية الموضوعية، يبحثون عن العمل الثوري … عن الطليعة الثورية. ومن يعتقد بأن الطليعة الثورية وحدها هي التي تبحث عن كل هؤلاء الناس ، فهو مجانب للصواب. فكما أن الارض هي التي تدور حول الشمس فإن أبناء الطبقات الشعبية، في ظروف تفاقم الأزمة العامة هم الذين يدورون حول الطليعة الثورية رغم الاعتقاد السائد بأن الطليعة هي التي تبحث عنهم. وبما أنهم مدفوعون الى الطليعة بضغط الواقع المتأزم الذي يعيشونه، فإن الطليعة التي هي انعكاس لهذا الواقع ترحب بهم لدى التقائها معهم ، وتبادر الى القيام بواجبها تجاههم، فتحضنهم وتفتح ابواب مدرستها، بغية امتحانهم ومعرفة فيما إذا كانت درجة وعيهم تساعدهم على الارتفاع الى مستوى استحقاق شرف عضويتها، أم لا ؟
إن الجماهير الشعبية،تبحث عن حل للأزمة المتفاقمة التي تقطع انفاسها، والطليعة تبحث أيضاً، ولكن بحثها يختلف في كونه ليس بحثاً عفوياً، وإنما هو بحث هادف العثور على الطاقات الكامنة بين اوساط جماهيرها، التي باتت تعيش الرغبة العامة في التغيير … في الثورة وأثناء عملية البحث هذه تلحظ مؤشرات الرغبة العامة لدى أبناء شعبها، فتلتقي وإياهم للتداول في كيفية تحويل رغبتهم الى عمل واع منظم … الى عمل طليعي. وقد يكلل لهذا التدول الأولي بلورته الى رغبة محددة في الانتظام والالتزام الثوري. وبناء على ذلك تفتح لهم أبواب عضويتها ، فتحاً تبدأ معه في خوض عملية … مرحلة الاختبار الأولى، فإن نجح المرشح ، فرض نفسه واكتسب حقه في العضوية الأصلية وإن فشل ، وإذن فما هو مبرر الندم مادامت العملية برمتها تتعدى حدود اداء الواجب الثوري وكفاح الطليعة في سبل اعادة تشكيل افكار ابناء الشعب والارتقاء بهم الى مستوى وعي متطلبات العمل الثوري، وادراك مستلزماته ما هو مبرر الندم على فقدان عضو من الاعضاء، مادامت الطليعة تقوى بتطهير نفسها، بعد ان تؤدي واجبها تجاه ابناء شعبها؟!
وإذن، فإن الطليعة الثورية، لا تبحث عن كل ابناء الطبقات الشعبية… عن كل الجماهير، وإنما تبحث عن الطاقات الثورية وسط هذه الجماهير. وبما انها ( الطليعة) تملك وسيلة للتعرف على هذه الطاقات غير وسيلة الاختبار فإنها تفتح باب العضوية لكل مواطن ومواطنة وترحب بانتسابهم الى صفوفها ، ليس من أجل التجميع وإنما بحثاً عن الطاقات الثورية من بينهم!..
ولكن ، بحث الطليعة عن الطاقات الثورية ، لا يعني اكثر من حق استهانة بالجماهير ولا عدم اهتمام بها فهذه الجماهير هي الكم الذي سيتحول بفضله المجتمع الى الثورة… انها الكمية التي تتحول الى نوعية ثورية … الى ثورة ولذلك فإن وعي الجماهير من المهام الملقاة على عاتق الطليعة ان تكون في المقدمة بغية تغذية شعورها الطبقي والوطني والقومي ، وبلورة رغبتها في التغيير والثورة ولكن الكم الجماهيري ، لكي يتحول الى توعية ثورية فإنه يحتاج الى طليعة ثورية ، وهذه الطليعة هي منظمة بكونها الأفراد الذي يتحلون بمميزات شخصية تتجلى في درجة تطور وعيهم وفي درجة استعدادهم لأن يحولوا تذمرهم الشخصي وحقدهم الطبقي الفردي والقومي ، الى إسهام مقيد في نضال هذه الطليعة الواعية والمنظمة وفق أسس ثورية .
وإذن ، فإن الطليعة الثورية ، تلتقي المواطن والمواطنة الوطنيين والتقدميين، المدفوعين برغبتهما الذاتية للعمل الثوري ،في مجرى بحثها عن الطاقات الشعبية الثورية .
إن أبناء الطبقات الشعبية مدفوعون بضغط ميلهم الموضوعي للعنف الثوري رداً على العنف الرجعي، نحو الطليعة الثورية ، يبد أن الطليعة الثورية، رغم اندفاعها نحوهم بضغط ادراكها لواجب توجيه الطبقات الشعبية وارشادها الى مايجب عمله لمواجهة اعدائها الطبقين والقوميين… رغم ذلك فأنها تتوجه لهذه الطبقات للبحث عن العناصر الطليعية … العناصر التي عملتها الظروف الموضوعية ، ما يكفي من الدروس. وأهلتها تطورات الأحداث وتفاقم الأزمة العامة، لتحمل أعباء ومشاق الكفاح الثوري ضمن صفوف الطليعة الثورية… الحزب الثوري … الحركة الثورية !..
إن هذه الحقيقة هي التي تفسر عدم ندم الطليعة على ترك عضو من الاعضاء . فطالما أن السعي لطلب العضوية حق عام لكل أبناء الشعب ، وأن هذا الحق رغم عموميته ليس مطلقاً وإنما هو مشروط بالنجاح في الاختبار الذي تجربه الطليعة . فإنها ( الطليعة) لا تنظر الى الأعضاء الجدد، من منظار الكم أو الكسب المشروع وإنما تنظر إليهم من منظار التوعية التي تبحث عنها هي. أما رغبة أبناء الشعب فلا تخولهم أكثر من حق طلب الانتساب للطليعة والدخول الى مدرستها ويبقى حق الطليعة في صيانة طبيعتها الثورية، بالشروط والقيود التي تراها ضرورية. ومع انها تسهم بإنضاج وعي الجماهير وبلورة رغبتها بالعمل الثوري من خلال حركة الطبقات الشعبية ويحضرهم ضد اعدائهم الطبقين والقوميين ويحرك ميلهم الموضوعي للعنف البشري للعنف الثوري رداً على العنف الرجعي … مع ذلك فإنها ( الطليعة) غير ملزمة بقبول كل وطني، بل وغير ملزمة بقبول حتى أولئك الراغبين في الثورة، وغير الملتزمين بشروطها. وإنما هي ملزمة بقبول من يلتزم بشروط عضويتها فقط. ويلتزم بتنفيذ المهام التي تحددها !..
ويتضح أن شروط العضوية، لا تتضمن- في حال توفرها- للعضو، أكثر من العضوية البسيطة، لأن الالتزام ببرنامج الطليعة يلقي على عاتق الاعضاء آداء مهام معينة هي واجبات العضو التي فرضها النظام الداخلي ،مقابل ضمان حقوق للعضو تلتزم الطليعة بأدائها. يبد ان تخطي مستوى العضوية البسيطة يتطلب . علاوة على انجاز المهام الطليعية في حدها الأدنى، بذل أقصى الجهد لانجاز أعلى حد ممكن من المهام، كي يؤكد جدارته بإشغال مركز التوجيه والقيادة في صفوف الطليعة، باول فرصة تتاح أمامه للإنضمام الى مستوى الكادر. الطليعي، الذي يجب عليه ان يكتسب الخبرة التنظيمية والمؤهلات النضالية خلال مرحلة العضوية البسيطة ، اي ضمن مستوى الخلايا كي يوفر لطموحه مبرراً ، يجعل من اشغاله للموقع القيادي تكليفاً يناط به وليس تشريفاً يناله إن العضو الأصيل يرتكب خطيئة بحق مستقبله في الطليعة ان هو ” تورط” في ترشيح نفسه لعضوية المواقع القيادية، دون أن يؤكد كفاءته القيادية ويؤهل نفسه لأن العضو الذي يعجز عن اداء مهام مراتب العضوية البسيطة، سوف يجد نفسه عاجزاً عن اداء مهام الموقع القيادي!..
إذا كان عجز المرتبة البسيطة (الخلية) عن اداء مهامه على الوجه الأتم أمراً قابلاً للمناقشة،فان عجز عضو الموقع القيادي، أمر غير قابل للمناقشة. ذلك أن العضوية البسيطة ( العادية) حق وواجب على العضو والطليعة معاً . أما العضوية القائدة ، فواجب يكلف به العضو وليست حقاً له … إنها واجب يؤديه العضو المؤهل الذي يطمح لأن يلعب دور المناضل المرشد لأبناء شعبه، دون مقابل … إنه يضحي براحته ووقته وقدراته في سبيل إعداد أبناء شعبه .
إننا لا نقدم بحثاً اكاديمياً مجرداً لظاهرة عامة رغم اضطرارنا لتحديد القواعد النظرية العلمية التي تحكم منطلقات معالجتنا لموضوع هذه الدراسة، وانما نبحث بظاهرة فردية خاصة ومحددة تتجلى بشخصية الشهيد وموقعه النضالي . فهو مواطن من أبناء الشعب، قبل ان يكون مناضلاً، وعنصراً أساسياً من عناصر العمل الثوري في لبنان !..
اسلوب البحث وهدفه :
إنّ سؤالاً هاماً يواجهنا لدى تأمل الظاهرة التي يمثلها المناضل الثوري أي مناضل ثوري، وهذا السؤال هو : كيف شق هذا الانسان طريقه نحو الكفاح الثوري، وما العوامل التي جعلته يختار الانخراط في صفوفه. بدلاً من الوقوع في اخطبوط الاحتواء الإصلاحي ؟
وحين نخرج هذا السؤال من اطار ماهو عام، ونحيله لخير ماهو فردي خاص ومحدد بشخص شهيدنا وموقعه النضالي، فسنجد انفسنا امام الظاهرة من ظواهر الوعي الثوري، يدفعنا حافز معرفة كيفية تكوينها، الى البحث عن مقدمات صيرورتها، بغية اكتشاف المنعطفات الحاسمة في تطور وعيه لدرجة كافية لتوجهه نحو الالتزام العقائدي ، حتى بلوغه الموقع الذي شغله وقت استشهاده !..
إن بلوغ الإنسان مستوى الأدراك لأهمية الكفاح الثوري، وضرورة الانخراط في صفوف طليعته والالتزام بقضية الثورة ، وحسم مسألة التضحية بدون مقابل . والاستشهاد في سبيل انتصار قضية شعبه…
إن بلوغ الانسان مستوى كهذا ، يرجع في مقدماته الموضوعية والذاتية الى الوضع الاجتماعي الذي ينشأ الطفل من احضانه، نشوءً تلعب الصدف وتطورات الأحداث، التي لا يتوقف وقوعها على ارادة الفرد العادي رغم علاقته المباشرة وغير المباشرة دوراً حاسماً في تكوين الوعي وطبيعة توجهاته اللاحقة!…
أن الظروف الموضوعية والذاتية التي يعيشها الأنسان منذ طفولته حتى بلوغه مستوى الوعي المدرك لأهمية الكفاح التقدمي الثوري، والشاعر بضرورة الانخراط في اطار الالتزام بإنجاز مهماته النضالية… ان هذه الظروف تبقى هي العامل الحاسم في خلق الميل الموضوعي لدى الانسان وتنميته وتوجهه لاختبار نهج العنف الثوري على النهج الإصلاحي ،طيلة الفترة التي تسبق الانخراط بصفوف الطليعة الثورية . لذلك فأنّ تطور وعي الانسان . يبقى اسير ميله الموضوعي العفوي ، بقاءً يدرج دراسة ظواهر الوعي التي يمثلها الأفراد الناضجين ، ضمن حيز العلم التاريخي ، فيما يختص بتحديد أهم المنعطفات في تطور وعيهم وتنمية ميلهم الموضوعي العفوي نحو الوطنية والتقدمية، المؤديان الى الانخراط في ميدان الكفاح الثوري . كما أن دراستنا هذه ، رغم كونها فردية وخاصة ، فأنها تدخل في مجملها ضمن اطار العلم الاجتماعي لدراسة الظاهرات المنفردة. ومع أنني ابحث بظاهرة فردية وخاصة، غير أنها في علاقتها وجوهرها اجتماعية، ليس لأن مجسدها فرد من افراد المجتمع، فحسب- بل وهذا هو الأمر الأهم-، لأنه في مراحل تطور وعيه الاعتيادي، لم يكن يدرك تماماً وجهة سير تطوره، مما اتاح للعفوية والحوادث والصدفية ان تلعب دوراً اساسياً في تطوره.
ومعلوم فأن القانونية، التي لا تكون مسبقاً من قلبنا تلعب تأثيرها حاسماً علينا، وفاعلاً في توجيهنا بدون وعي رادع أو فكر كابح وعقل مرشد، لذلك يبقى أمر تطور وعينا مرهوناً بطبيعة الظروف المادية والمصادفات،لدرجة قد تكون مفيدة لتوجهنا نحو ماهو حسن ونافع مثلما تكون ضارة حين تدفعنا لإقتراف الأفعال والممارسات المؤذية لكفاح شعبنا!.. لذا فإننا، إذ نبحث بما هو فردي، انما نتوخى أن نستخلص ماهو اجتماعي وتاريخي ، توخياً تبرره نظرتنا الموضوعية للظاهرة التي مثلها شهيدنا. فالواقعية تؤكد على ان طبيعة الوعي الاجتماعي الذي عاش فيه الشهيد، كانت رجعية بحكم كون الوعي الاجتماعي لن يكون إلاَّ إنعكاساً لطبيعة التشكيلة الاجتماعية القائمة . وكما هو معروف، فأن تشكيلة المجتمع اللبناني رجعية بصورة مطلقة.
فكيف حدث إنخراطه في الكفاح الثوري، رغم الواقع الرجعي الذي نشأ في أحضانه. وبعبارة أخرى ، ماهي العوامل التي جعلت وعيه يتبلور بصورة معاكسة لطبيعة مجتمعه ومتناقضة مع الوعي الاجتماعي الذي تربى في كنفه؟
للإجابة على هذه الأسئلة فأسلوب البحث ، لا بد ان يستعرض ظروف حياة الشهيد، وطبيعة وضعه الاجتماعي، بغية تحديد أهم العمليات الديالكتيكية، أو ما نسميه بالمنعطفات التاريخية في تطور وعيه، منذ طفولته، حتى التزامه بالكفاح الثوري وتطوره ضمن اطاره. يبد ان بلوغ مهمة البحث هذه، يتطلب توفر مقياس يستند اليه البحث في تحليله للظاهرة وفي استخلاصه لنتائج تطورها، وتحديد العمليات الديالكتيكية التي حكمتها . وما عسى ان يكون لهذا المقياس،غير العلاقات القانونية الموضوعية العامة، التي تحكم ظواهر الوعي الاجتماعي، وتربطها مع واقعها المادي من جهة ، ومع الأفكار السائدة، من جهة أخرى؟
ونظراً للعلاقة القانونية، التي تربط ماهو عام. بما هو فردي وخاص، فأننا سنبحث بالإجابة على السؤال : كيف يكون الأنسان،أي انسان مناضلاً ثورياً، ثانياً ، وكيف تطور في صفوف الحزب وأصبح كادراً اساسياً من كوادره، ثالثاً ؟ إنّ الإجابة على السؤال الأول، تبحث بالقوانين العامة، التي تحكم تطور وعي العضو ، بعلاقته الجدلية مع الطليعة ومدى التزامه بالكفاح الثوري، بحثاً، من شأنه ان يكشف العلاقات الجدلية التي تحكم تطور وعي الأنسان- المناضل الثوري، وتوجهه نحو الانخراط بصفوف العنف الثوري. أما الإجابة على السؤال الثاني، فينبغي ان تبحث في العوامل التي أنضجت وعي شهيدنا، حتى بلغ درجة الادراك لأهمية الكفاح التقدمي الثوري وضرورته. بعد ذلك ، سنتولى الاجابة على السؤال الثالث، البحث في العوامل التي جعلت وعيه منظماً ومكنته من اشغال مركزه الحزبي بجدارة مشهودة!
فلنبدأ،اذن بتحديد المقياس الذي سنستخدمه في التعرف على الظاهر موضوعة بحثاً وتحديد مسار تطورها!
المقياس العلمي لتحديد مراحل تطور وعي المناضل الثوري:
قلنا: إننا نبحث بظاهرة إجتماعية رغم فرديتها، ولذلك حددنا مقياس تشريحها وفهم جوهرها ” العلاقات القانونية الموضوعية العامة التي تحكم تطور ظواهر الوعي الاجتماعي” ،فما هي هذه العلاقات وكيف تحدث وتحكم تطور وعي الانسان ؟
للأجابة على هذا السؤال ، لا بد من جلب الانتباه الى أننا نبحث بتطور وعي المناضل الثوري الملتزم بصفوف الطليعة الثورية وليس أي انسان آخر، ولذلك كان السؤال :” كيف يكون الانسان ،أي انسان، مناضلاً ثورياً؟”.
يتضح ان السؤال يشتمل على شقين : انسان عادي وانسان مناضل ثوري. وجوهر البحث وهدفه ان يبين الكيفية التي يتطور معها الانسان العادي الى مناضل ثوري. ولذلك فأننا سنبحث بالقوانين العامة لكي نتخذ منها مقياساً لاستعراض تطور وعي شهيدنا منذ كان انساناً عادياً حتى أصبح انساناً مناضلاً ثورياً :
العفوية الوطنية والنزعة التقدمية :
إن ظاهرة العفوية الوطنية والنزعة التقدمية، لدى ابناء الشعب سنكون، دليلاً على عمق الهوة بين الجماهير الشعبية وبين الطبقة الحاكمة، عندما تكون موجهة ضد الحكام ذلك ان نقيض ظاهرة الوطنية والتقدمية، يتجلى في ظاهرة العمالة والرجعية. وحين تتفشى المشاعر الوطنية والتقدمية في صفوف الشعب ضد حكامه، فلا بدّ ان يكون مصدر هذه المشاعر منبعث من افتضاح عمالة الحكام ورجعيتهم !..
إن بلوغ التناقض بين الحكام والمحكومين، مرجلة كهذه، مؤشر لعجز القوى الحاكمة عن قيادة حركة تطور المجتمع، مما يزيد من طغيان الظلم، الذي تتجلى ” اولى مراحله في الشعور به من قبل الذين يتعرضون له” غير ان مجرد الشعور بالظلم لا يكفي لدفع الانسان لأن يكون مناضلاً ثورياً. لأنه ” ليس سوى مرحلة اولى” من تطور الظرف الموضوعي لنشؤ الوعي الطليعي الثوري . اما الظرف الناضح لخلق الوعي الطليعي الثوري، فيتثمل في ” مرحلة الشعور بضرورة مقاومة الظلم، وهذه تنشأ باحشاء المرحلة الاولى وتتولد عن نضجها الذي يتجلى بصيرورة الشعور بالظلم ظاهرة عامة وشاملة وعن نضج مرحلة الشعور بضرورة مقاومة الظلم، تنشأ الطليعة الواعية لهذه الضرورة ، والمنظمة لكيفية ترجمتها وتوجيه المظلومين للأنخراط في اطارها”
” ان التطور التاريخي ، لا يعرف الانقطاع والتوقف، مهما كانت الأشكال والأنماط التي يتخذها. لذلك فإن ظاهرة الشعور بضرورة مقاومة الظلم، تتولد عن المرحلة التي سبقتها ،أي مرحلة الشعور بالظلم . وخلال نشوء المرحلتين ينشأ الوعي الوطني والتقدمي، ويتطور مع تطورهما.ذلك ان معاناة الجماهير الشعبية من الظلم الاجتماعي والسياسي، وتعرضها للاستغلال والحرمان والاضطهاد والقمع من قبل الطبقات السائدة، دليل كاف على ” ان هذه الطبقات رجعية وليست تقدمية ، بغض النظر عن ادعاء الحكام ،ذلك ان التقدمية ترتبط بصلة وثيقة بالوطنية . ومن غير الممكن ان يكون الانسان (او الحزب او الطبقة) وطنياً ولا يمت بصلة للتقدمية.” إننا عن المواقف العابرة للأفراد او الفئات،وانما نتحدث عن الوعي وتجلياته في النظرة الشعبية العامة والممارسة الكفاحية العملية.
فقد يكون الانسان رجعياً ومع ذلك يتخذ موقفاً وطنياً بسبب تعرض مصالحة للضرر نتيجة ظروف طارئة كظروف الحرب مثلاً ” ظاهرة العفوية الوطنية والنزعة التقدمية لدى ابناء الشعب ضد حكامهم” فتتولد من ظروف حياتهم الموضوعية، تولداً يسببه عجز الحكام وظلمهم ،لذلك فان ” كل قوة سواء تمثلت بفرد او حزب او طبقة او علاقات إنتاج او اسلوب انتاج ، لا بد ان تتحلى بشكل من اشكال التقدمية ، مهما كان هذا الشكل محدوداً ، اذا كان وطنياً . وبدهي أن يكون التقدمي وطنياً بدون منازع”. وفي ظل ظروف نشوء الوعي الاعتيادي الوطني والتقدمي ، وتكون الطليعة الواعية والمنظمة، يبدأ الإنسان بالتحول الى مواقع الطليعة الثورية ،بداية لها مقدمات وتتطور بفعل عمليات ديالكتيكية بوسع الدراسة العملية ان تلحظها ، اذا ما بحثت في جذورها وقوانين تطورها فماهي هذه العمليات وكيف نستدل عليها ؟
الجدل الموضوعي والذاتي في وعي المناضل الثوري :
إن النضال الثوري هو الانسان الملتزم بانجاز مهام الطليعة الثورية. ولدى النظر في تطور وعيه منذ انتسابه لهذه الطليعة حتى بلوغه مرحلة الكادر القائد، نلحظ مراحل متعددة في تطور وعيه. ولكن بالإمكان اعتبارها مرحلتين اساسيتين:
مرحلة الجذور البعيدة لنشوء الوعي، وتكون المقدمات الموضوعية التي تبلور الوعي الاعتيادي العفوي وتوجهه نحو الوطنية والتقدمية وهذه محكومة بقوانين يكشفها البحث في ظروف النشأة والحياة التي تؤدي للانخراط في اطار الالتزام بإنجاز مهام الكفاح الثوري . ومرحلة الالتزام الثوري المنظم ستعالج في المرحلة الثانية . لكي نحافظ على صلة البحث في ظروف نشأة الرفيق ” ضاحي” وتطور حياته . بمرحلة انخراطه في صفوف الحزب وتدرجه في مراتبه ومستوياته المختلفة واكتسابه للوعي المنظم، لذلك سنبحث في وضع العضوية العادية والعضوية الفائدة :
كيف يكون الانسان مناضلاً ثورياً وماهي العوامل التي تنضج وعيه حتى يسلك في طريق الثورة :
أولاً: في العضوية العادية:
أن عضو الطليعة الثورية العادى بصورة عامة ، بصورة عامة ، يمر بمرحلتين : مرحلة الترشيح للعضوية، ومرحلة اكتساب العضوية الاصلية بعد نجاحه في اجتياز المرحلة الأولى ولدى البحث في المرحلتين كليتهما نلحظ مايلي:
العضو المرشح :
اذا نظرنا الى العضو المرشح بإعتباره وحدة متناقضات، فسنلحظ ان وعيه يتكون من نوعين… عنصرين: الوعي الاعتيادي أي العفوي (العفوية الوطنية والتقدمية) والوعي غير الاعتيادي، اي الوعي المنظم ، الذي يبدأ العضو المرشح بإكتسابه من مدرسة الطليعه الثورية في مراتب المرشحين للعضوية.
إن الوعي الإعتيادي، يتكون لدى الانسان الوطني، نتيجة انغماره في عملية الانتاج الاجتماعية، ومن بيئته العائلية ومحيطه الاجتماعي الوطني أي من واقعه المادي وظروفه الموضوعية، ومن ثقافته المباشرة، المكتسبة من ممارسته الاجتماعية والسياسية ، ومن ثقافته غير المباشرة المكتسبة من مطالعاته الشخصية ومن وسائل الاعلام المرئية والمسموعة!.
اما الوعي المنظم فيكتسب من التدريب والتوجيه الذي يناله الانسان المنخرط في صفوف الطليعة الثورية المنظمة، والذي يتلقاه بإنتظام خلال الاجتماعات الأسبوعية او الدورية المنتظمة !.
أن العضو المرشح منذ انخراطه في صفوف الطليعة الثورية،يتعرض لعملية تثقيف وتوعية منظمة، يبدأ بسببها يعيش تناقضاً بين غالبية عناصر وعيه الاعتيادي ، وبين نظرة الطليعة وفهمها للحياة وللوجود والطبقات والعلاقات التي تربطها والصراع الطبقي والقومي والقوى السياسية …الخ
بسبب هذا التناقض، فأن المرشح للعضوية، يبدأ يشعر بأن الثقافة الطليعة التي يطلب منه استيعابها بقدر ما تعزز بعض مكونات وعيه، فإنها تتعارض مع غالبية مفاهيمه وتصوره للحياة وللوجود .وكلما كان استعداده كبيراً لقبول مفاهيم الطليعة الثورية ، التي تقدم اليه، بالتدريج ووفقا لقدرته على الاستيعاب ، كلما اطرد تطور وعيه وتسارعت عملية اعادة تشكيل وعيه وفكره، ونتيجة لذلك فأن وحدة وعيه (فكره) تبدأ تعيش تناقضاً جديداَ، يتكون تدريجياً حتى يصبح مهيمناً على عقله برمته ، الأمر الذي قد يعرضه لقلق ناجم عن عدم سهولة تخليه عن المفاهيم والتطورات المتعارضة مع نظرة الطليعة الثورية ومفاهيمها العملية!.
إن التناقض الذي يعيشه العضو المرشح يعيد تشكيل وحدة تفكيره (وعيه) بحيث تصبح المفاهيم والتطورات المتعارضة مع نظرة الطليعة الثورية، أي غالبية عناصر وعيه الاعتيادي، مظهراً رئيسياً لها ، في حين ان الوعي المنظم الذي يكتسبه من التثقيف الهادف، والتوعية الموجهة التي يتلقاها من لدن الطليعة الثورية، يصبح مظهراً قانونياً لوحدة وعيه وتفكيره .
إنّ هذا التناقض ينجم عن كون العديد من مكونان فكر الانسان لدى انتسابه يتحول الى عامل سلبي بالنسبة لفكر الطليعة الثورية العلمي ، ومع ان العضو المرشح لا يشعر بوطأة هذا التناقض خلال نشأته ( التناقض) الأولى. يبد أن تراكم الثقافة وانغماس العضو في الممارسة العملية الثورية نتيجة قيامه بواجباته النضالية … إن تراكم الثقافة الثورية يجعله يشعر بضرورة التخلي عن بعض مفاهيمه وتصوراته القديمة لصالح المفاهيم الطليعية الجديدة التي يبدأ باكتسابها من مدرسة الطليعة الثورية .
إن طابع وحدة الوعي(التفكير) هذا ، يتسم بالانتقال،أي انه يفترض طابع مؤقت وبغض النظر عن الانتماء الطبقي فإنّ وحدة اي عضو مرشح لا بد أن يعاد تشكيلها من جديد، اعادة يتضاءل معها الوعي الاعتيادي امام الوعي المنظم، بحيث يتبادلا المواقع،فيحل الثانوي محل الرئيسي ويتراجع الرئيسي الى موقع الثانوي. وما لم يتحقق هذا التغيير فأن اكتساب العضوية الاصلية ، يصبح متعذراً ، لأن عدم حدوث التغيير المطلوب يحول دون تأهيل طالب العضوية للقيام بالمهام النضالية!.
مما تقدم ، نلحظ أن البحث في وعي الانسان المرشح لعضوية الطليعة الثورية ، يظهر غالبية مكونات العفوية الوطنية والنزعة التقدمية أي الوعي الاعتيادي الذي يلعب دور المحفز للانخراط في صفوف الكفاح الثوري،سلبية بالنسبة لطبيعة الفكر الطليعي العلمي . لذلك ينبغي توضيح امرين متعلقين بهذه المسألة: أولهما يتجلى يكون السلبية لا تعني بالضرورة تناقضاً عدائياً للفكر العلمي الثوري ولو كان الامر كذلك لإفتقد الانسان حافز الانخراط بصفوف الطليعة الثورية ، وانما السلبية في وعيه غالباً ما تنجم عن غموض في الخرافات والاساطير المثالية التي تطيع الايدولوجية السائدة ، والتي تشوب الوعي الاعتيادي ،لدى الجماهير الشعبية، لذلك فأن عملية التثقيف المنظمة والمقرونة بالممارسة العملية الثورية ، كفيلة بإزالة هذه الشوائب من الذهن،مما يضعف الجاني السلبي ويعزر المكونات الايجابية في وعي الانسان المنظم !.
أما ثاني الأمرين الداعيين للتوضيح فيتجلى في اغفال الاستثناء وحصر البحث في القاعدة العامة . لذلك اقتضت الاشارة الى ان بعض الافراد لا يعانون من وطأة التناقض المومى اليه والذي تعانيه الأغلبية الساحقة من المنخرطين في صفوف الطلائع الثورية خلال المرحلة الأولى. غير ان هؤلاء الأفراد لا يمثلون سوى اقلية ضئيلة . لذلك اعتبرناها استثناء واغفلنا بشأنها لدى البحث في التناقضات التي تتحكم بوعي الانسان منذ انخراطه في صفوف الطليعة الثورية، والتي تعيد تشكيل وحدة تفكيره ، اعادة تجعله منسجماً مع فكر الطليعه الثورية ومؤهلاً لاكتساب العضوية الاصلية ، التي ينالها العضو بعد ان تؤكد فترة الاختبار (الترشيح) توفر شروط العضوية المتمثلة في قبول برنامج الطليعة ونظامها الداخلي اولاً، والانتظام في احدى المراتب التنظيمية وتنفيذ القرارات والتوجيهات الصادرة منها ،ثانياً ، والمساهمة المنتظمة في مالية الطليعه ،كي تستطيع انجاز مهامها النضالية ثالثاً .
بعد هذا المتابعة لكيفية تطور الوعي من مرتبة العفوية الوطنية والتقدمية …
من مستوى الوعي الاعتيادي ، الى مستوى الوعي المنظم، على البحث ان يتابع حركة تطور الوعي لدى الانسان المناضل، بعد ان اجتاز المرحلة الاولى واكتسب العضوية إيذاناً بالانتقال للمرحلة الثانية، اكتساباً لا يمكن ان يتحقق مالم تتحطم وحدة وعيه الاعتيادية ، وتتشكل على انقاضها وحدة وعي جديدة ، ويمثل الوعي المنظم مظهرها الرئيسي.
العضو الأصيل :
لاحظنا فيما سبق من البحث ان وحدة وعي المرشح للعضوية موسومة بطابع الوعي الاعتيادي الموسوم بدوره بالعفوية ، التي اسميناها ،بالعفوية الوطنية التقدمية . كما لاحظنا ان طابع وحدة الوعي هذا ، يتعرض للتغيير ، تعرضاً يؤدي الى تحطيم هذه الوحدة، واحلال وحدة وعي جدلية جديدة محلها . بحيث يصبح التفكير المنظم هو الطابع الغالب على وعي العضو . يبد ان غلبة هذا الطابع لا تعني تلاشي الوعي الاعتيادي العفوي نهائياً اطلاقاً . لأن انعدام هذا الوعي يعني توقف عملية التحول وانقطاع التطور . وكما هو معلوم فإن التطور لا يعرف الانقطاع او التوقف . ثمّ ان فقدان عنصر الوعي الاعتيادي العفوي ، من مكونات وحدة الوعي،يعني تخلف العضو عن متابعة حركة اطراد تطور وعي الطليعة الثورية التي تعلم في مدرستها . لأن عملية انعكاس الواقع في وعي الانسان ،تحتوي تعبيرات الواقع الموضوعي المعاش بكل تناقضاته : الايجابية والسلبية، لدرجة يتساوى معها الانسان الناضج فكرياً والانسان العادي ، اذ ان كلاً منهما معرض لانعكاس الواقع حين وعيه. اما الفارق بينهما ، فيتجلى في ان الاول اقدر على عمس الواقع . لذلك فهو يميز بوضوح كاف بين الايجابيات والسلبيات في وحدة الوعي، فيعمل على تنمية مايراه ايجابياً واضعاف ماهو سلبي بالنسبة له . كذلك فإن وعي الانسان الناضج فكرياً يكون منظماً سواء كان تقدمياً او رجعياً، رغم صفة التنظيم تتجلى اكثر ما تتجلى في وعي الانسان التقدمي ، بحكم قدرته على مواكبة حركة التطور، وبحكم كون اطلاق صفة التنظيم على الوعي تعني طليعيته واهليته لارشاد حركة التطور الاجتماعي ودفعها نحو الافضل باستمرار !..
أردنا من هذه الاشارة ان نسترعي الانتباه الى ان استخدامنا لمفهومي الوعي الاعتيادي والوعي المنظم، لدى الحديث عن وحدة الوعي الجدلية التي يشكل الوعي الاعتيادي مظهرها الرئيس،ويطبعها بطبعه.. ان استخدامنا لهذين المفهومين، يفي بالغرض، عندما يكون الوعي المنظم ، مظهراً ثانوياً ،يبد ان استخدام هذين المفهومين ،لدى الحديث عن وحدة الوعي الجدلية، التي يشكل الوعي الاعتيادي مظهرها الثانوي، ويطبعها الوعي المنظم بطابعه، لا يفي بالغرض ، اذ يلتبس الامر على القارئ، ويصعب عليه التمييز، بين مفهوم الوعي المنظم بكونه مظهراً رئيسا أي طرفاً في هذه الوحدة ، وبين اعتباره طابعاً عاماً لها ،لذلك فإننا بحاجة لمفهوم جديد يزيل اللبس ويسهل على القارئ التمييز بين حالتي الاستخدام لمفهوم الوعي المنظم . لذا صغنا مفهوم “الوعي النقيض” ونعني به الوعي الاعتيادي الموروث والمنعكس، بإعتباره طرفا ثانوياً في مساحة وحدة الوعي الجدلي، التي يشكل الوعي المنظم مظهرها الرئيس وطابعها العام، بحيث نطلق مفهوم الوعي المنظم على وعي الطليعة الثورية، وبالتالي على وعي العضو، بإعتباره جزءاً من وعيها لدى حديثنا عن وحدة الوعي بعد اكتساب العضوية الأصيلة، بصورة عامة ونطلق مفهوم الوعي النقيض،
ونقصد: الوعي المنظم اي فكر الطليعة الثورية والوعي الاعتيادي الموروث والمنعكس، بصورة خاصة. ومع ان مفهوم الوعي النقيض، يمكن اطلاقه على الوعي الاعتيادي ايضاً عندما يكون مظهراً رئيساً وطابعاً عاماً لوحدة الوعي الجدلية، خلال فترة الترشيح الاولى وقبل حصول عملية التحول في وعي العضو المرشح.. مع ذلك ،فإننا اقتصرنا استخدامه على الحالة التي يكون فيها الوعي الاعتيادي مظهراً ثانوياً والوعي المنظم مظهراً رئيساً وطابعاً عاماً لوحدة الوعي الجدلية ،لكي تميز بين حالتي استخدام مفهوم الوعي المنظم!
قلنا ان العضو المرشح لعملية جدلية، منذ الأيام الاولى لانخراطه في صفوف الطليعة الثورية وبفضل عملية الجدل هذه، فإن تفكيره يتطور ومستوى وعيه يتغير، تغيرا تنشأ عنه وحدة وعي جدلية جديدة يصبح معها عنصر الوعي المنظم، أي الوعي المكتسب من مدرسة الطليعة الثورية ، مظهراً رئيساً، بعد أن يعمي الوعي الاعتيادي العفوي الذي ولد الرغبة الاولى المحفزة للانتماء للطليعة ، مظهراً ثانوياً !..
أما القدرة التي يحدث خلالها مثل هذا التغيير ، فتتحدد وفقاً للقواعد التي ينظمها دستور الطليعة الثورية ونظامها الداخلي.
واضح أن تحطيم وحدة الوعي الفكر، الأولى لدى العضو المرشح واحلال وحدة وعي جديدة محلها.. أن هذا التحطيم والتغيير الذي ينجم عنه، يمثل قفزة نوعية هامة جداً بحياة العضو ، اذ يصبح وحدة وعيه الجديدة محكوماً بفكر الطليعة وببرنامجها الذي يمثل اول واهم شروط العضوية ، يبد ان هذه القفزة لا يستحيل معها الوعي الاعتيادي العفوي الى مجرد مظهر ثانوي فقط ، وانما يحدث تحول جوهري في طبيعته. فبعد ان كان مولدا للرغبة ومحفزاً للانتماء والانخراط بصفوف الطليعة الثورية، وبذلك كان عاملاً ايجابياً ، فإنه بعد ان ان يفقد العديد من مكوناته سواء بالتحرر منها ،او باندماجها مع الوعي غير الاعتيادي اي الوعي المنظم ،فإنه ( الوعي الاعتيادي اي العناصر السلبية فيه) ، ويتحول الى عامل سلبي، يلعب دوراً ضاغطاً على قناعة العضو الجديدة، ودافعاً اياه نحو الاتجاه الاصلاحي، الامر الذي يجعل الصراع سجالا بين الوعي الثوري المنظم الذي اكتسبه العضو من مدرسة الطليعة الثورية ، وبين الاصلاحية الموروثة والمنعكسة من المحيط الوطني .
اما تفسير هذا التناقض الذي يبدأ العضو يعيشه منذ حدوث القفزة النوعية، التي تنجم عن تبادل المتضادات لمواقعها، فيمكن في ان عملية التحول التي تحدث في وعي العضو اثناء فترة الترشيح، تتم بشكل متدرج من جراء تعرضه لعملية التوعية والتثقيف الثوريتين . وبفضل ذلك يندفع العضو باداء مهامه النضالية، اندفاعاً يتحرر معه من جزء مما ورثه من بيئته الاجتماعية ، ولكن بعض مكونات الوعي الاعتيادي العفوي كالإصلاحية والفساد الذي نشيعه وتضاف اليها مصاعب الالتزام الثوري ومتاعب انجاز المهام التي يطرحها هذا الالتزام، علاوة على ضغط الاهل، ان هذه كلها تصبح عامل سلبية، تمثل مايمكن ان نسميه ردة فعل المحيط لنشاط العضو الذي بات قوة صدامية تناهض الرجعية والاصلاحية في آنٍ معاً، مناهضة تدفع القوى الاصلاحية الى احباط العضو واضعاف معنوياته، وافساده بغية زحزحته عن التزامه الثوري ، و اغرائه بالهروب من ميدانه .
نلحظ مما تقدم ان وحدة الوعي المنظم الجدلية، تتكون من نوعين من الوعي:
الوعي المنظم المكتسب من مدرسة الكفاح الثوري … مدرسة الطليعة الثورية ، ويشكل المظهر الرئيسي. والوعي الاعتيادي الموروث والمنعكس الذي اطلقنا عليه مفهوم ” الوعي النقيض” للوعي المنظم، والذي يشكل المظهر او الطرف الثانوي بوحدة الجدل المنظم…ان هذه الوحدة الجدلية التي يلعب فيها الوعي المنظم دور القوة الدافعة للكفاح والمحفزة للاستمرار في ميدانه. تتعرض بين حين وحين، للاحتلال والاضطراب كلما مر العضو بظروف صعبة. سواء كانت هذه الظروف خاصة بحياته الاجتماعية. الاقتصادية ، او ناجمة عن الخيارات الصعبة التي يواجهها اعضاء الطليعة الثورية. لدى قيامهم باداء مهام الثورية، والتي تضع المناضل الثوري، امام خيار الاستشهاد في سبيل القضية التي تسمى الطليعة الثورية لبلوغها!..
كلما كان تطور وعي العضو مطردا، ومعاناته أهون. والعكس يحدث، عندما يضعف تأثير عنصر الوعي المنظم ، للدرجة التي يتسع معها هامش فاعلية الوعي النقيض، اي الوعي الاعتيادي الموروث والمنعكس!..ان مرور العضو بظروف صعبة كهذه بقدر ما يعرضه للمعاناة ، فإنه قد ينضح وعيه المنظم ويزيد من اطراد تطوره . ذلك ان حالة اختلال التوازن بين عنصري وحدة الوعي الثوري الجدلية ، واضطراب حالته النفسية والذهنية، يدل على ضعف ووهن في تركيبة عضو الوعي المنظم ، مما يجعل العضو مرتبكاً امام المصاعب التي يواجهها ، لدى التحري عن الاسباب التي تضعف عنصر الوعي المنظم وتوهنه، سنجد انها ناجمة عن تخلف بعض مكونات (اجزاء ) هذا الوعي، مما يساعد مكونات (اجزاء) الوعي النقيض على النشاط بفاعلية مؤثرة ، الامر الذي يعرض العضو لمواجهة جديدة ، تعرضا يجلب الانتباه لضرورة مساعدته على ازالة اللبس او الغموض الذي ينتاب وعيه ، وتمكينه من امتلاك زمام الرؤية العلمية. لذلك فإن نجاح العضو يتجاوز ازمة منعطف كهذا ، دليل على نضج وعيه بتحرره من اجزائه المختلفة التي باتت عائقاً بوجه اطراد تطور وعيه..
اما الاسباب الكامنة وراء تخلف بعض مكونات(اجزاء) الوعي المنظم ، فعديدة ن ومتشبعة، فقد تكون علاقة العضو بمسؤولية تفتقد للروح الرفاقية ، أو قد تكون المرتبة ( الخلية أو اللجنة) ، غير منسجمة وليست بمستوى اشباع حاجة العضو للمعرفة ، غير ان اهم الاسباب تتجلى بتطور الظروف الموضوعية واحتدام عملية الصراع بين الشعب بقيادة طلائعه الثورية وبين اعدائه القوميين والطبقيين، للدرجة التي تتطلب ارتفاعا لمستوى جديد من المجابهة ، ونمطاً اكبر من التضحية ، الأمر الذي يضع العضو امام الخيار التاريخي الذي يعبر عن السؤال :” التضحية لمن: للقضية ام المناضلين من أجلها ؟” وقد تكون الاسباب خاصة بظروفه الشخصية الاقتصادية والاجتماعية . وقد تتوافق الظروف العامة مع الظروف الخاصة، توافقاً يخلق ارباكا للعضو يحول بينه وبين استمراره باداء مهامه النضالية . لذلك قلنا ان تجاوز منعطف كهذا كفيل بإنضاج وعي العضو وتصليب ارادته !..
ثانياً : العضو الكادر :
أنّ أهمية عملية التحول في تفكير العضو العادي ، لا تتجلى بالنسبة له ، فقط وانما تتجلى اهميتها، اكثر ما تتجلى في كونها تكشف امام الانظار الفارق النوعي بين طبيعة ومستوى وعي الطليعة ، وبين طبيعة ومستوى وعي الجماهير الشعبية.
وهذه المسألة … مسالة معرفة هذا الفارق النوعي بين الطبيعتين والمستويين ، على غاية الاهمية ، بالنسبة لكل كادر طليعي ثوري، فبدون ملاحظته.. بدون ادراكه ، لن يستطيع الكادر اتباع الاسلوب الملائم للتعامل مع العضو العادي خلال مرحلتي تطوره. فمثلما يختلف اسلوب التعامل مع الاصدقاء وتقريبهم الى الطليعة ونقلهم من اطار الاصدقاء، الى مستوى الالتزام المنظم، فان هذا الاسلوب يختلف تجاه الاعضاء المرشحين، ويختلف ايضا تلقاء الاعضاء الاصيلين. ومع ان هذا الاسلوب مفروض بطبيعة القوانين التي تحكم العلاقة مع كل منهم ، يبد ان معرفته المسبقة من شأنها ان تحرر الكادر من طابع العفوية وتلزمه بالتخطيط والتصرف الهادف والواعي لفرضه!..
ولكن ، ماهي النقطة الجوهرية بعملية التحول .. بالنقلة التي تمكن الانسان …. المواطن العادي بفضلها من اكتساب العضوية ؟
ولكشف هذا التحول علينا ان نلحظ عن عقيدة الحزب الفكرية بجوانبها الثقافية والايديولوجية والسياسية تحتوي العديد من انعكاسات الواقع الموضوعي … واقع العمال والفلاحين وسائر فئات الكادحين ، لانها (العقيدة) بناءه الفوقي ، ولكن ليس بصورته العامة، وانما بصورته الخاصة… صورة الطليعة الواعية المنظمة … واعية لمقياسها الفكري الماركسي- اللينيني ، فلا حركة ثورية بدون نظرية ثورية . ولذلك فهي تربط بفكر الجماهير الكادحة وقناعتها العامة ارتباط نلحظه متجلياً ببعض عناصر- مكونات فكر الانسان الوطني والتقدمي ووعيه الاعتيادي العفوي. أي العناصر – المكونات الايجابية التي سرعان ما تتبلور ثم ترتقي.. تندمج مع مكونات العقيدة الاشتراكية العملية، اندماجاً، يؤدي الى عملية فرز بين ماهو ايجابي وما هو سلبي في وعي العضو المرشح، بحيث يندمج الايجابي . بعد بلورته مع الثقافة التي تقدمها الطليعة ويصبح جزءاً من الوعي المكتسب . اما السلبي فينقسم الى نوعين: نوع يتمكن العضو من التحرر منه ، ونوع يدخل في تكوين وحدة متناقضات وعيه الجديدة، ويشكل مظهرها السلبي الثانوي ، تشكيلاً يلعب دورا مثبطا لعزيمة العضو ونشاطه الحزبي .
اما سبب هذا التحول فيرجع الى ان انتقال العضو المرشح الى مستوى العضوية الاصلية ، هو عبارة عن تحول في وعيه .. في عقله بعد ان يتحرر من عموميته .. عفويته اولا ، ويبدا يعيش وعي الطليعة وخصائص فكرها المتقدمة والمتميزة عن خصائص وعيه الاعتيادي العفوي السابق ، ثانياً !..
واذن ، فإن عملية التحول التي يعيشها العضو ، تمكنه من الانتقال ، من صفوف الجماهير.. من مستوى وعي الجماهير الاعتيادي العفوي ، الى صفوف الحزب .. الى مستوى وعي الطليعة .. وبفضل هذه العملية الجدلية ، يبدأ الانسان، المواطن بالدخول الى ميدان المعاناة الحقيقية بعد ان تخطى مخاضها الأول ..
مما تقدم ، نلحظ منعطفين هامين بحياة العضو العادي . أما اولهما، فيمثل في ظرف الانعطاف الذي بلغ الذروة وقت انتسابه الى الطليعة الثورية . اما ثانيهما ، فيتجلى في اكتسابه للعضوية بعد نجاح مسيرته الحزبية خلال فترة الترشيح ، يبد ان اكتساب العضوية ، على اهميته، لا يمثل سوى تجاوز لمرحلة الاختبار الأولى ، التي يتمكن المواطن ، خلالها من اثبات استحقاقه لعضوية الطليعة وجدارته لحمل شرف لقب شيوعي ملتزم . اما المرحلة التي تليها ، اي مرحلة العضوية الاصيلة ، فربما كانت هي الأصعب ، لماذا ؟
أن الطليعة تتساهل كثيراً مع العضو المرشح، انطلاقاً من يقينها ان اكتساب المهارة النضالية والاعتياد على الخضوع لنظام الحياة النضالية الصارم ، بالقياس للحياة الليبرالية والفساد الذي يملأ اجواءها .. ان يتعود الانسان الذي جبل على حياة الإنفلاش والانانية ، ان يلتزم الانضباط واداء مهام تكلفه جهداً مالياً دون ان يجني فوائد مادية مقابل ذلك كله ، امر لا يستطيع تفهمه غير عدد قليل من أبناء المجتمع !..
لذا، فإنّ انتهاء فترة الترشيح واكتساب العضوية ، يعني انتقال العضو الى الحياة النضالية الحقيقة ، بكل صلابتها وقسوتها ، فالتساهل ينعدم والمسامحة تتلاشى أو على الأقل تتضاءل، ويحل محلها الضبط الحديدي والمحاسبة الصارمة ، مع ان العضو قد تعود خلال فترة الترشيح على نمط الحياة النضالية، يبد ان فترة الترشيح المحدودة، ليست كافية لاكتساب عادة الالتزام والانضباط الثوريين ، الامر الذي يدعو احياناً لتمديدها على ان يبذل الجهد الكافي لنيل شرف العضوية.
أننا نتحدث عن الطلائع الواعية والمنظمة الثورية. أما الطلائع الاصلاحية سواء كانت شيوعية أم قومية ، فعمليات التحول الجدلية ، تحدث فيها بطء شديد، واعضاؤها لا يعانون من الأزمات التي يعانيها أعضاء الطلائع الثورية، اثناء منعطفات التطور التي يمرون بها . لأن الاصلاحية لا تهتم بالنوعية الثورية، انما ينصب اهتمامها على الكمية التي تستخدمها اثناء المظاهرات او الاضرابات السلمية، ووقت الانتخابات البرلمانية، لذلك فأنها لا تحتاج لقواعد الانضباط الثوري، وحتى القواعد المسطرة بأنظمتها الداخلية لا تطبق بدقة واحترام، لدرجة تبرر معها حتى الأعمال المشينة كالخيانة والانهيار، ولعل ما نسمعه من تبرير لمواقف قيادة حزب موده دليل صارخ على ذلك!..
أن اعضاء الطليعة الثورية، ينقسمون الى ثلاثة اصناف: الأعضاء الفاعلين والاعضاء العاديين والاعضاء المهملين . وبوسع البحث المدقق لن يجد نماذج الصنفين الأول والثالث في مختلف مستويات المراتب الطليعية مع ان الفاعلين هم الصنف الذي يزود الطليعة بالكادر الذي تحتاجه. ومع انهم متواجدون بمختلف مراتب مستويات الهيكل التنظيمي .. مع ذلك، فإن العضو المرشح الذي نبرز فاعليته خلال فترة الترشيح قد ينخفض نشاطه بعد اكتسابه للعضوية ، ولا يتميز عن الأعضاء العاديين . وقد يكون العضو الفاعل عضو خلية أصيل، ولهذا السبب يشغل موقعاً قيادياً في مراتب الكادر القائد،غير ان تجربته اثناء اشغاله لموقع الكادر تبين ان اهليته القيادية دون مستوى اداء مهام الموقع الذي يشغله. لذلك فإن فاعلية العضو قد تسمح بتكليفه اداء المهام القيادية.، لكنه قد يعجز عن انجازها على الوجه الاتم . لذا يتحتم اعفاءه وتخفيض مرتبته . لكي لا يكون مثالاً محبطاً وقدوة مسيئة في حقا السلوك والممارسة العملية !..
أما الأعضاء العاديون فهم الذي يبلغون مستويات العضوية الاصلية ويعجزون عن تجاوزها لاعتبارات عديدة من بينها محدودية كفاءتهم . لذلك ينضح ان نعت العضو بصفة عادية ، لا يقلل من شأنه،وانما يحدد موقعه ومكانه في صفوف الطليعة الثورية، كي لا تغمط كفاءته ومؤهلاته المحدودة من جهة، ولا تتعرض الطليعة للضرر الذي قد يلحقه اشغال الاعضاء العاديين لمراكز قيادية لا يمتلكون الكفاءة لاداء مهامها، من جهة أخرى ..
و المهملون هم الاخرون اعضاء، قد يتصفون بالفاعلية في مستوى معين ، وقد ينعتون بالإهمال بمستوى آخر ، ربما نتيجة محدودية كفاءتهم وعدم قدرتهم على القيام بمهام الموقع الذي يشغلونه، وربما بسبب التطور الذي يضعف قناعتهم بالعمل الثوري ، وبضرورة التضحية في سبيل القضية بدون مقابل ، لذلك ينبغي تطهير الصفوف او الطليعة منهم . فالكادر المهمل ينبغي تخفيض مرتبته لمستوى العضوية العادية بغية منحه فرصة لتلاقي اهماله . والعضو العادي ينبغي تطهير الطليعة منه لان الطليعة الثورية تقوى بتطهير نفسها…
أما العضو المرشح، فهو الاخر، يحتاج لتمديد فترة ترشيحه لمنحه فرصة اطول، اذا لم يثبت جدارته واستحقاقه لنيل شرف العضوية ، التي في حق لكل مواطن ومواطنة على أمل ان يبذل من الجهد مايكفي لتأكيد استحقاقه العضوية!..
أن مفهوم التصنيف هذا، ليس اكثر من مفهوم عام تصوغه التجربة العملية لذلك يصعب تحديد خصوصيته غير ان اهميته تتجلى بكونه يساعد على فهم : لماذا ينجح عضو في متابعة مراحل تطوره ، ويتدرج في الانتقال الى مستويات الكادر المسؤول عن انجاز المهام القيادية والتوجيه الثوري، في حين ان عضواً آخر يتعثر في مسيرته النضالية؟
في فهم مسألة الكم والنوع في القواعد الحزبية والفارق بين الثورية والاصلاحية :
إذا نظرنا الى قواعد الطلائع الشعبية ، فنرى ان الكادحين يمثلون الغالبية الساحقة من عضويتها. نظراً لحاجة الكادحين لوقت طويل وجهد كبير كي يمتلكوا مؤهلات الكادر القائد ، فأن المراكز القيادية تبقى وفقاً على العناصر المثقفة التي هي في الغالب عناصر بورجوازية، ومع ان الانتماء للطليعة البروليتارية الثورية ، يتيح للبرجوازي فرصة الانسلاخ من طبقته، والتزام مصلحة الكادحين يبد أن وجود العناصر الكادحة في المواقع القيادية ، أمر من شأنه ان يعكس مصلحة الجماهير الشعبية،بصورة اشمل وأعمق. لذلك فان فهم الفاعلية على أنها انجاز للمهام النضالية العملية، وليست المهام الثقافية النظرية،فقط، فإن العضوية الفاعلة ستكون هي النسبة الغالبة بين صفوف الطليعة ، والفضل في هذا التطور الذي يقلب المقياس يرجع للخطة… للتخطيط الذي يجعل المهمات النضالية، كالقتال والخدمة الثورية وتوزيع الأدبيات ونشر فكر الطليعة وامتلاك ناصية القضية النظرية… الخ. مقياساً يمنح العضو بموجبه لقب “فاعل” ،. وبما أن غالبية هذه المهمات النضالية لا تكلف اكثر من استعداد نفسي وجهد عضلي، فإن العامل أو الفلاح الفقير والأمي ، يصبح بوسعه ان يحصل على لقب “فاعل” مثلما يحصل عليه العضو المثقف . وبما أن الفاعلية النضالية هي المقياس الذي بموجبه يتحدد الكادر القائد ، فإن العمال والفلاحين والفقراء سيمتلكون وسيلتهم النضالية للصعود الى هاماً بفضل التخطيط واعتماد مقياس انجاز المهام الكفاحية العملية والنظرية.
واضح ان اعتماد اداء المهام الكفاحية لتحديد العضوية الفاعلة عن العضوية العادية والمهملة أمر من شأنه ان يلغي اي انفصام بين النظرية والممارسة العملية ويجعل الممارسة هي المقياس الاساسي الذي تعتمده الطليعة لتحديد كوادرها . مما يحبط أية محاولة لاتخاذ النزعات الذاتية مقياساً لتقييم الأعضاء. فمهما بالغ المسؤول في ابراز ايجابيات أو سلبيات العضو امام قيادة الطليعة ، فإن صفحة اعمال العضو التي ترسمها الخطة تبقى شاهداً ينطق بحقه ومحامياً يدفع عنه أي تعسف قد يتعرض له من جراء النزعات الذاتية مثلما يحمي الطليعة من زلات التقييم والمحاباة لتمكين عبر اكفاء من اشغال المراكز القيادية!
ولكن اعتماد انجاز المهام الكفاحية مقياساً لتحديد العضوية الفاعلة، لايقي الأعضاء من شرور النزعات الفردية وتعسف المسؤولين بحقهم ، فقط ، وانما هو يكشف ايضاً جدارة او عدم جدارة… استحقاق او عدم استحقاق الكادر الذي يقود الطليعة . فليست القاعدة وحدها هي التي ستتعرض للامتحان والتطهير من العناصر المهملة. فقط وإنما اعضاء الكادر الطليعي سيتعرضون للامتحان ذاته . مما سيفتح الباب واسعاً عمله صعود وهبوط ، ستشمل كافة المستويات الطليعية.
إن الانسان الواعي الذي يتمتع بالقدرة على الرؤيا الاستباقية لادراك ماسيحصل له ، يفترض فيه امتلاك خاصية ما سيحدث له من جراء انتسابه للطليعة الثورية، ولكن هذا هو الانسان ذي الثقافة العالية الذي تجاوز مرحلة الوعي الاعتيادي العفوي المقصود بكلامنا هذا. وحتى الانسان ذي الثقافة العالية، يتعرض لعملية الجدل موضوعة البحث والفارق بينه وبين الانسان البسيط يتجلى بمستوى القدرة على الاستيعاب وبالتالي في الفترة الزمنية التي يستغرقها هذا الاستيعاب فيما يحتاج الانسان البسيط لفترة الترشيح كاملة. فإ الانسان ذي الثقافة العالية يستطيع ان يستوعب برنامج الطليعة خلال فترة أقصر . لذلك فإن التزم التخطيط لاداء المهام النضالية، سيضيق هذا الفارق ، لصالح الكادحين بعد اعتماد مقياس انجاز المهام النضالية العملية! كما يفترض ، فإن الطليعة الثورية ، لا تهتم كثيراً بعدد اعضائها ، وتحاول ان تحصر استقطابها بعدد محدد ، كي لا نسمح للكمية بأن تطغى على النوعية الثورية. يبد أن هذه القاعدة لا تعني عدم الاهتمام بعدد الاعضاء ، ولا تعني الحرص الشديد على عدم التفريط بأي عضو. ولكن حرص الطليعة الثورية على عدد اعضائها وعدم التفريط بهم،لا يمكن ان يقود الى التجميع الكمي . كما تفعل الأحزاب الاصلاحية او احزاب الزعامات الشخصية، لأن الكم بحد ذاته قد يتحول ، إذا ماتجاوز حدود القدرة على الاستيعاب والحاجة الضرورية للعدد ، الى نوع رديء. فالكمية الزائدة عن الحاجة ، بالنسبة للطليعة الثورية، لا تعني اكثر من تجمع كمي، سوف يؤدي حتماً الى تغيير في نهج الطليعة ويحوله الى نهج اصلاحي، ان الطليعة الثورية بحاجة فقط الى ذوي الاستعداد للايمان بحقيقة الوضع المتأزم وكون الثورة هي الحل لأزمته.
ولذلك فلا يضيرها ان يتركها اولئك الاعضاء الذين يعجزون عن ادراك ان الحل الوحيد لتحرير المجتمع من أزمته يتمثل بالثورة وقلب اساسه واستبداله بأساس جديد يسمح باطراد تطوره !..
إنّ الطليعة الثورية ، تعلم وتؤمن بما تعلم ، ان انصار لحقيقة في ظروف العمل الثوري الصعبة، قليلون كما هو الحال في لبنان مثلاً . فالحقيقة غالباً ما تخطى باعتراف قلة من الناس في بادئ الامر ، لذلك فإن النهج الثوري ، لا يهتم لمغادرة من تنقطع أنفاسه فيلحق بركب أولئك الذين وصفهم لينين بالمناضلين من أجل انفسهم واولادهم ، اما الثورة واما الاشتراكية فما تزالان في طيات الغيب.
إنّ المؤمنين بالثورة وبالعمل من اجلها . والذين تعتبر بالنسبة لهم حقيقة يرونها في تفاقم الازمة العامة للنظام، وفي تكرار الحروب الأهلية . لا يضيرهم او يضعف ايمانهم كون الذين يشاركونهم الايمان بحقيقة الثورة ما يزالون اقلية فالحقيقة ستفرض نفسها عاجلاً او آجلاً، وسيعترف كل الشعب بها قطعاً !
إنّ وجود الطليعة الثورية ليس ظاهرة عابرة، وانما هو انعكاس لتفاقم أزمة النظام الرأسمالي العامة .
لذا ، فإنها تؤمن بأن القناعة الشعبية بضرورة التغيير قد تكون عامة وشاملة ، رغم انها ما تزال من ناحية التعبير عن نفسها لم تبلغ بعد مستوى النضج المطلوب ، من الناحيتين النظرية والتنظيمية ، وقد تلعب الاصلاحية دوراً كبيراً في طمس القناعة الشعبية العامة بالتغيير .
وانطلاقاً من رؤيتها ( الطليعة الثورية) لواقع القوى الرجعية وأزمتها العامة المتفاقمة ، أولاً ، ومن رؤيتها لحالة العجز التي تعيشها الاصلاحية ، ثانياً ، فإنها لا تلهث وراء الكم … العدد ودورها في البحث عن الأعضاء ،لا تفهمه على انه بحث عن الكمية ، وانما هو بحث عن الطاقات الثورية الكامنة بين صفوف الشعب ن ولذلك فإنها تتخلى عن العضو لدى تأكدها من انه مايزال دون مستوى تحمل اعباء مهام الطليعة الشيوعية الثورية . ولا يدفعها ترك عضو من الاعضاء ، الى الندم على الجهد الذي بذلتنه في سبيل كسبه ومحاولة انضاج وعيه. أما سبب ذلك. فلا يرجع الى استهانتها بالجهد الذي بذلته … بالوقت الذي انفقته … بالتثقيف الذي قدمته ، ابداً ، وانما يرجع (عدم ندمها) الى يقينها بأن ما بذلته من جهد، هو جزء من واجبها تجاه ابناء شعبها الذين يبحثون عن العمل الثوري … عن الطليعة الثورية !..
إن امتلاك ناصية المعرفة العلمية المستندة الى منهج المادية الجدلية ، أمر ممكن فقط لدى الطليعة الملتزمة بأسلوب المراجعة النقدية الجذرية ، التي تهدي لمعرفة الجوانب الصائبة والخاطئة في وعيها وممارستها ، وبدون هذه المراجعة فإن وعيها لن ينضج بما فيه الكفاية ، وبدون نضج وعيها وبلوغه مستوى القدرة على الاستقلال النسبي عن الواقع الاجتماعي الذي تعيشه ، فإنها تعجز عن جعل فكرها متجدداً باستمرار ومتطوراً بدون توقف او انقطاع . ومعلوم فإن الفكر لن يتسم بسمة التطور المطرد ، مالم يستند الى المراجعة النقدين الجذرية العلمية والموضوعية خلال المنعطفات التاريخية التي ترسمها حركة التطور ، وتتجدد في ضؤ الوقائع ، والتي تتطلب مواجهة قائمة على اساس دليل نظري مدعم بالآراء والمفاهيم والممارسات التي أكدت تطوراف الاحداث صوابها ، ومتحرر من الآراء والمفاهيم التي ثبت خطأها !..
ولكن امر المراجعة النقدية الجذرية العلمية والموضوعية، لا يتحقق فقط، بتحديد الصائب والخاطئ ، بحيث يؤكد التزام الأول ويتم التخلي عن الثاني .. لأن منهجاً كهذا ، يعني الاعتداد بما هو صائب وإهمال ماهو خاطئ ، واخفائه . فهذا هو المنهج الاصلاحي ، الذي يتعارض مع الثورية ولا يفيدها بحكم عدم كفايته لحاجتها . إن المراجعة النقدية ، لن تكون جذرية ، مالم تقم على اساس كشف الاخطاء وفضحها، أولاً ، وتحويلها الى دروس وعبر رادعة ، تحرر الفكر من وحل الاخطاء وتمنحه سمة التجديد والانطلاق بدون ارهاق لتوجيه الممارسات اللاحقة . ثانياً وبهذا الاسلوب يجمع النقيضان ( الصواب ودروس الأخطاء)ويدمجان في كل واحد، يطور الجوانب الصائبة وبغنيها بمعطيات التجربة الخاصة ، من جهة ، ويقطع الصلة مع الجوانب الخاطئة التي تم اكتشافها في مخزون الماضي ، النظري والعملي ، بحيث يتم تجاوز الاخطاء ويحتفظ بدروسها لتكون جزءاً اساسياً من الدليل النظري المتجدد والقادر على مواجهة المرحلة الجديدة ، من جهة اخرة ، ثالثاً .
إن مراجعة كهذه كفيلة بابقاء سمة التواصل المستمر بين الماضي والحاضر للانطلاق نحو المستقبل ، طابعاً عاماً لفكر الطليعة المتجدد والمتطور ووعيها الناضج باضطراد صنع الحياة اللائقة بالإنسان على الارض وليس في السماء . اما لماذا يتحتم عليه، منح مصلحة الحزب الألوية لدى تعارضها مع مصلحته الشخصية ،فلأن العضوية الفاعلة مطالبة بالتضحية بكل ما تملك. بما في ذلك الحياة نفسها . أي الاستشهاد في سبيل قضية الثورة ، ومن يفضلن مصلحته الشخصية على مصلحة الحزب فإنه سيكون عاجزاً بكل تأكيد عن التضحية بحياته ، وسيكون جباناً ويفقد ثقة الحزب به . لدى مواجهته خيار الاستشهاد في سبيل القضية!
معلوم ، ان مواجهة الخيار الصعب . مسألة متوقعة ومحتملة . والعضو الفاعل الذي يستبعدها من ادراكه، سيواجه ارتباكاً شديداً ولذلك ،فإنّ العضو الراغب في ترسيخ التزامه بقضية الطبقة العاملة وسائر الجماهير الكادحة مطالب بأن يعمل على تغيير ظروف حياته الخاصة ومصالحه ، بحيث تتوافق وتتطابق مع ظروف التزامه الكفاحي الثوري . توافقاً يجعل من مصلحته الشخصية ومصلحة الحزب . قضيتان متطابقتان . وان يتحرر نهائياً من اي هدف او غاية شخصية تتعارض مع اهداف الحزب وغاياته . كل شيء يتوافق مع مصلحة الحزب مبرر . وكل شيء يتعارض معها مرفوض. هذه هي القاعدة الصلبة لرسوخ الايمان وماعداها ، سيقود الى الفشل المحتم!
إنّ الطبقة العاملة وسائر الجماهير الكادحة لا يمكن ان تتحرر بغير الثورة. وما لم يكن الحزب الثوري مؤهلاً ومستعداً للتضحية في سبيل انجاز الثورة ، فإن قضية التحرر سوف تبقى مجرد شعار نظري عاجز عن التحول الى واقع مادي ملموس . ولذلك فإن الاعضاء مطالبون باداء ضريبة الكفاح الثوري في سبيل انتصار الثورة!
ولا تعني افضلية المصلحة الحزبية ، انعدام المصلحة الشخصية كلياً ، وانما تعني التطابق بين المصلحتين : الحزبية والشخصية. وإعطاء الأولوية لمصلحة الحزب لدى التعارض . إن مجرد مطالبة العضو بتقديم المصلحة الحزبية على مصلحته هو اعتراف وتأكيد على وجود المصلحة الشخصية . وكا ما في الأمر ان العضو مطالب بتفصيل مصلحة الحزب عليها لدى التعارض . وما دام العضو مطالب برعاية الحزب أولاً وقبل اي شيء. فما هو واجب الحزب تجاه العضو؟
إن الحزن هو الاخر مطالب بعدم اهمال المصالح الشخصية لاعضائه . اذ يجب أن يهتم بتطويرهم طبقاً لميولهم وكفاءاتهم التي لا تتعارض والاخلاق البروليتارية . ويساعد العضو على ان يحيا حياته الخاصة التي تروق له ولا تتعارض مع التزامه الحزبي.
كيف ترجم محمد عياش التزامه بالعنف الثوري وترجمته عملياً :
طلب الشهيد من المكتب السياسي الموافقة على تنفيذ عملية انتحارية ضد الخائن سعد حداد ، ليكون عبرة لغيره من خونة الوطن. وكان يقترح أن يكون على رأس المجموعة الانتحارية. وقد دُعم اقتراحه بتفاصيل كيفية تنفيذ العملية، ولكننا وجدنا الوقت مبكراً لتنفيذ هذا النوع من العمل .
إن السؤال الذي يواجهنا ونحن نحيي الذكرى الثانية لشهيدنا الخالد الرفيق محمد عياش ورفاقه الشهداء يتعلق بموقف الشهيد . أما تعبيره نظرياً عن ايمانه بحزب العمل الاشتراكي العربي بإعتباره تعبيراً عن نهج العنف الثوري ضد العنف الرجعي يعبر عنه برسالته المؤرخة في 8\3\1981 للرفيق عبد الناصر مايلي :
يستهل رسالته بالتعبير عن ارتياحه للوفاء الذي يغمر الرسائل ليس للفرد وإنما للفكرة … للقضية التي عشنا سوية في ظلالها وجدية العمل من اجلها
عزيزي المناضل ،
إنّ المناضل يستطيع ان يؤدي دوره في أي مكان ومن خلال اي مرتبة وبصور مختلفة. إن طرائق النضال عديدة ولا يضيرك شيء ينقص من التزامك بقضية شعبك ان تؤدي دورك النضالي وانت في غمار التحصيل العلمي . وارجو ان لا تتبادر لذهننا المعادلة الثانية “إنني بعيد عن الوطن لمتابعة التحصيل العلمي وذلك يعني أنني بعيد عن القضية . مما يعني انعدام دوري النضالي
شكرا للهدية الرائعة
كان الشهيد جار لنا وكنا نزوره بحكم علاقة الجار للجار. من هنا بدأت علاقتي مع الحزب. كان خبر اغتياله مع رفاقه خبرا” محزنا” لعائلتي. فلترقد روحك بسلام.